حكاية شاب من داخل احدي الأديرة
=====================
.. تعلمون يا أصدقائى إننى كنت أقضى فترة التجنيد بالصحراء الشرقية قريبا من دير الأنبا أنطونيوس ، لقد رتبت العناية الإلهية لى هذا المكان فإعتدت أن أقضى أجازاتى بالدير ، وكانت بركة الآباء تعيننى على تحمل قسوة فترة التجنيد ما قبل حرب ٧٣ ، وأثناء ما يعرف بالحرب الباردة .. وفى مرة من ذات المرات كان علىّ أن أذهب إلى الدير سيرا على الأقدام فى يوم شديد الحرارة مسافة خمسة عشر كيلومترا ما بين وحدتى العسكرية والدير ، فوصلت إليه منهك القوى تماما
أخذت بركة الآباء ثم توجهت إلى مطبخ الزوار لأعد لنفسى مايسند قواى المنهكة ، فلحق بى ربيتة الدير أبونا أسخيرون ، ذلك الشيخ الوقور القديس ، إذ لاحظ تعبى وتبرع بدعوتى إلى قلايته ليعد لى الطعام بنفسه
توجهت إلى قلاية الراهب التقى الشيخ ، فوجدتها مقلوبة رأسا على عقب ..! لا شيء من محتوياتها فى مكانه بل هى مكان للنوم وإستقبال الزوار وحتى الدجاج والأرانب التى يربيها الراهب ، تشاركه المكان ..!! أخذ أبونا يبحث عن شيء لا أعلمه ، كان طاعنا فى السن بطيء الحركة بطريقة لا يحتمل جوعى أن أصبر عليها ، وكانت القلاية فى حالة من ( الهرجلة ) لا تسمح له بالتركيز فى البحث ... وأخيرا ، أخيرا جدا ، أتى أبونا بضالته المنشودة ، بيضة ، نعم بيضة واحدة أتى بها فرحا ومبشرا بقرب الإنتهاء من إعداد المائدة ... !! ثم راح يبحث عن شيء آخر بنفس البطيء ، وابور الجاز ، ولن أتكلم عن تفاصيل ( توليع الوابور ) وقلى البيضة اليتيمة .. !! ه
أخيرا يا إخوتى أتى أبونا بطبق به بيضة واحدة مقلية فى مسحة من الزيت وخبزة واحدة من ذلك الخبز المتحجر الذى إعتاد الرهبان على خبيزه وحفظه مجففا ... ! وإلى هنا ، والقصة تبدو عادية ، لكن الغريب فعلا أن يشاركنى ذلك الراهب الشيخ فى هذه البيضة اليتيمة وتلك الخبزة الواحدة وجوعى يحتاج إلى عشرين بيضة وأضعاف من الخبز ليستد .. !!ه
نعم ، لقد جلس أبونا أبسخيرون ببراءة الطفولة أمامى ، وبارك الطعام بكلمات بسيطة أخذت ثوانى معدودات حسبتها الدهر كله وأنا أنتظر لأسد جوعى ، ثم إقتسم الخبزة وراح ( يغمس ) البيضة معى .. !! لقد كنت أكتم غيظى فى داخلى وأسابق أبونا الراهب فى إلتهام البيضة المسكينة ، بل لقد تعمدت أن أمنع يده من أن تمتد إلى البيضة قبلى .. !ه
والآن يا أصدقائى أصل إلى ما أريد أن أقوله ، لقد شعرت بعد فترة بشيء عجيب ، إننى آكل بنهم شديد ونصف الخبزة معى لا ينقص ، والبيضة فى الطبق كما هى ، وكلما إقتطعنا منها تظل على حالها .. !! ، هل أنا أحلم ؟ ، إننى لا أصدق عيناى ، ولكن كيف لا أصدق معدتى التى إمتلأت حتى الشبع والبيضة فى الطبق كما هى ، ونصف الخبزة فى يدى على حالها ..!! ه
لم أملك يا أصدقائى إلا أن أقبل يدى أبونا أبسخيرون ولسان حالى يقدم إعتذارا عن سماجة أفكارى وضعف إيمانى ، لقد أمسكت بيدى نصف الخبزة ذاتها التى أتى بها الغراب قديما إلى القديس أنطونيوس ، ورأيت بعينى مسحة الزيت التى ما فرغت من بيت أرملة صرفة صيدا ، وأكلت من يد ربنا يسوع وكنت وسط الخمسة آلاف رجل وخرجت حاملا قفة مملوءة من الكسر مع التلاميذ الأطهار ، هذه القفة هى علامة إيمانى الذى إشتد وقوى حتى فاض
أؤمن يا أحبائى أن اليدين اللتين أخذتا خبزا يوم خميس العهد وباركته ، مازالتا تعملان فى الكنائس على المذبح إلى يومنا هذا ، وأؤمن أن هاتين اليدين أيضا باركتا الخمس خبزات والسمكتين ولا يمكن أن تتركنا اليوم ، ولن نخور فى الطريق ( مت ١٥ : ٣٢ ) ، فلا تخافوا ، نحن أفضل من الطيور ، هذا هو وعد يسوع
( حدثت هذه قصة خادم فى مدارس أحد إسبورتنج ، فى بداية السبعينيات ، ومع الراهب القديس المتنيح أبونا أبسخيرون الأنطونى ربيتة الدير وأب إعتراف القديس المعاصر أبونا يسطس الأنطونى وأخيه فى الرهبنة والذى تنيح فى ١٩٩٢ .. بركة هؤلاء الآباء ، وبركة اليدين اللتين إمتدتا على عود الصليب لتبارك العالم كله ، تبارك حياتنا كلها وتحفظ إيماننا ثابتا فيه له كل المجد )
=====================
.. تعلمون يا أصدقائى إننى كنت أقضى فترة التجنيد بالصحراء الشرقية قريبا من دير الأنبا أنطونيوس ، لقد رتبت العناية الإلهية لى هذا المكان فإعتدت أن أقضى أجازاتى بالدير ، وكانت بركة الآباء تعيننى على تحمل قسوة فترة التجنيد ما قبل حرب ٧٣ ، وأثناء ما يعرف بالحرب الباردة .. وفى مرة من ذات المرات كان علىّ أن أذهب إلى الدير سيرا على الأقدام فى يوم شديد الحرارة مسافة خمسة عشر كيلومترا ما بين وحدتى العسكرية والدير ، فوصلت إليه منهك القوى تماما
أخذت بركة الآباء ثم توجهت إلى مطبخ الزوار لأعد لنفسى مايسند قواى المنهكة ، فلحق بى ربيتة الدير أبونا أسخيرون ، ذلك الشيخ الوقور القديس ، إذ لاحظ تعبى وتبرع بدعوتى إلى قلايته ليعد لى الطعام بنفسه
توجهت إلى قلاية الراهب التقى الشيخ ، فوجدتها مقلوبة رأسا على عقب ..! لا شيء من محتوياتها فى مكانه بل هى مكان للنوم وإستقبال الزوار وحتى الدجاج والأرانب التى يربيها الراهب ، تشاركه المكان ..!! أخذ أبونا يبحث عن شيء لا أعلمه ، كان طاعنا فى السن بطيء الحركة بطريقة لا يحتمل جوعى أن أصبر عليها ، وكانت القلاية فى حالة من ( الهرجلة ) لا تسمح له بالتركيز فى البحث ... وأخيرا ، أخيرا جدا ، أتى أبونا بضالته المنشودة ، بيضة ، نعم بيضة واحدة أتى بها فرحا ومبشرا بقرب الإنتهاء من إعداد المائدة ... !! ثم راح يبحث عن شيء آخر بنفس البطيء ، وابور الجاز ، ولن أتكلم عن تفاصيل ( توليع الوابور ) وقلى البيضة اليتيمة .. !! ه
أخيرا يا إخوتى أتى أبونا بطبق به بيضة واحدة مقلية فى مسحة من الزيت وخبزة واحدة من ذلك الخبز المتحجر الذى إعتاد الرهبان على خبيزه وحفظه مجففا ... ! وإلى هنا ، والقصة تبدو عادية ، لكن الغريب فعلا أن يشاركنى ذلك الراهب الشيخ فى هذه البيضة اليتيمة وتلك الخبزة الواحدة وجوعى يحتاج إلى عشرين بيضة وأضعاف من الخبز ليستد .. !!ه
نعم ، لقد جلس أبونا أبسخيرون ببراءة الطفولة أمامى ، وبارك الطعام بكلمات بسيطة أخذت ثوانى معدودات حسبتها الدهر كله وأنا أنتظر لأسد جوعى ، ثم إقتسم الخبزة وراح ( يغمس ) البيضة معى .. !! لقد كنت أكتم غيظى فى داخلى وأسابق أبونا الراهب فى إلتهام البيضة المسكينة ، بل لقد تعمدت أن أمنع يده من أن تمتد إلى البيضة قبلى .. !ه
والآن يا أصدقائى أصل إلى ما أريد أن أقوله ، لقد شعرت بعد فترة بشيء عجيب ، إننى آكل بنهم شديد ونصف الخبزة معى لا ينقص ، والبيضة فى الطبق كما هى ، وكلما إقتطعنا منها تظل على حالها .. !! ، هل أنا أحلم ؟ ، إننى لا أصدق عيناى ، ولكن كيف لا أصدق معدتى التى إمتلأت حتى الشبع والبيضة فى الطبق كما هى ، ونصف الخبزة فى يدى على حالها ..!! ه
لم أملك يا أصدقائى إلا أن أقبل يدى أبونا أبسخيرون ولسان حالى يقدم إعتذارا عن سماجة أفكارى وضعف إيمانى ، لقد أمسكت بيدى نصف الخبزة ذاتها التى أتى بها الغراب قديما إلى القديس أنطونيوس ، ورأيت بعينى مسحة الزيت التى ما فرغت من بيت أرملة صرفة صيدا ، وأكلت من يد ربنا يسوع وكنت وسط الخمسة آلاف رجل وخرجت حاملا قفة مملوءة من الكسر مع التلاميذ الأطهار ، هذه القفة هى علامة إيمانى الذى إشتد وقوى حتى فاض
أؤمن يا أحبائى أن اليدين اللتين أخذتا خبزا يوم خميس العهد وباركته ، مازالتا تعملان فى الكنائس على المذبح إلى يومنا هذا ، وأؤمن أن هاتين اليدين أيضا باركتا الخمس خبزات والسمكتين ولا يمكن أن تتركنا اليوم ، ولن نخور فى الطريق ( مت ١٥ : ٣٢ ) ، فلا تخافوا ، نحن أفضل من الطيور ، هذا هو وعد يسوع
( حدثت هذه قصة خادم فى مدارس أحد إسبورتنج ، فى بداية السبعينيات ، ومع الراهب القديس المتنيح أبونا أبسخيرون الأنطونى ربيتة الدير وأب إعتراف القديس المعاصر أبونا يسطس الأنطونى وأخيه فى الرهبنة والذى تنيح فى ١٩٩٢ .. بركة هؤلاء الآباء ، وبركة اليدين اللتين إمتدتا على عود الصليب لتبارك العالم كله ، تبارك حياتنا كلها وتحفظ إيماننا ثابتا فيه له كل المجد )
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق