ثمر الروح القدس ( الثمرة السادسة الصلاح )

لثمرة السادسة
الصلاح



الصلاح هو المحبة العاملة. والإنسان الصالح هو الذي يحمل هموم الآخرين، فيقدم دواءً لمريض، وطعاماً لجائع، وكساءً لعريان، وعزاءً لحزين. هو الشخص الذي يعتني بالآخرين، لا عنايةً مادية فقط، لكن عناية روحية أيضاً، فيبحث عن شخصٍ لم يقبل المسيح بعد ليدعوه ليتمتع ببركات الخلاص. وهو الذي يقرأ أصحاحاً لعاجزٍ عن القراءة، ويشرح كلمات الإنجيل لمحتاج، ويتطوَّع للخدمة في الكنيسة. وبالاختصار: هو الشخص الذي يسير في خطوات المسيح الذي كان يجول يصنع خيراً، فيسمع في اليوم الأخير، مع سائر المؤمنين الذين فعلوا الصلاح، القول الكريم: "تعالوا يا مباركي أبي، رِثوا الملكوت المعدَّ لكم منذ تأسيس العالم، لأني جُعت فأطعمتموني. عطشت فسقيتموني. كنت غريباً فآويتموني. عرياناً فكسوتموني. مريضاً فزرتموني. محبوساً فأتيتم إليَّ. فيجيبه الأبرار حينئذٍ قائلين: يا رب متى رأيناك جائعاً فأطعمناك، أو عطشاناً فسقيناك؟ ومتى رأيناك غريباً فآويناك، أو عرياناً فكسوناك؟ ومتى رأيناك مريضاً أو محبوساً فأتينا إليك؟ فيجيب الملك: الحق أقول لكم، بما أنكم فعلتموه بأحد إخوتي هؤلاء الأصاغر، فبي فعلتم" (متى 34:25-40).
ولا بد أن كل مؤمن يثمر ثمرة الصلاح عندما يمتلكه الروح القدس، فيجعله محبةً فعَّالة عاملة.
ويتَّضح صلاحنا في دائرتين:

أولاً: الاهتمام بخدمة الآخرين
يقدم لنا الوحي مثلاً للصلاح في داود، صاحب المزامير، الذي قيل عنه إنه حسب قلب الله، وإنه سيصنع كل مشيئته (أعمال 22:13). وقد ظهر صلاح داود بعد أن تولى الحكم، بعد موت الملك شاول، الذي كان يطارده ويريد أن يقتله، فقد سأل داود رجاله: "هل يوجد بعد أحدٌ بقي من بيت شاول فأصنع معه معروفاً من أجل يوناثان؟". فجاءه رجاله بعبدٍ اسمه صيبا، كان يعمل في قصر شاول، فقال داود لصيبا: "ألا يوجد بعد أحدٌ لبيت شاول فأعمل معه إحسان الله؟". فأجاب صيبا أن هناك غلاماً أعرج الرجلين اسمه مفيبوشث بن يوناثان بن شاول. فاستدعاه داود وقال له: "لا تخف، فإني لأعملنَّ معك معروفاً من أجل يوناثان أبيك، وأردُّ لك كل حقول شاول أبيك. وأنت تأكل خبزاً على مائدتي دائماً" (2صموئيل 1:9-8).
كان داود أصغر إخوته، وكان راعياً للغنم، فأخذه الله من وراء الغنم وجعله ملكاً، وأقامه رئيساً على شعبه. وشعر داود بصلاح الله معه، فأراد أن يردَّ إحسان الله، حتى إلى عدوه. وداود في هذا الصلاح قدوة لنا. فإن كنت تشعر بإحسان الله عليك، وإن كنت قد فتحت قلبك للرب ليمتلكك الروح القدس، فستكون حسب قلب الرب، وستفعل مشيئته، وستحمل ثمر الروح، الذي هو صلاحٌ، حتى مع أعدائك الذين يقاومونك.
وقدم لنا الوحي مثلاً آخر لثمرة الصلاح، في سيدة فاضلة اسمها طابيثا، فيقول: "كان في يافا تلميذة اسمها طابيثا (ومعناه غزالة) هذه كانت ممتلئة أعمالاً صالحة وإحسانات كانت تعملها". امتلأت هذه السيدة من الروح القدس، فأثمر فيها روح الله ثمرة الصلاح. ومرضت طابيثا، فصلَّت الكنيسة من أجلها كثيراً، لكنها ماتت، فغسَّلوها ووضعوها في عليَّة، وأرسلوا يستدعون الرسول بطرس. وعندما دخل الرسول بطرس حيث كانت ترقد جثة غزالة، وقفت لديه جميع الأرامل يبكين ويرين أقمصة وثياباً مما كانت تعمل غزالة وهي معهن. فأخرج بطرس الجميع خارجاً وجثا على ركبتيه وصلى، ثم التفت إلى الجسد وقال: "يا طابيثا قومي". ففتحت عينيها، ولما أبصرت بطرس جلست (أعمال 36:9-43). لقد ترجمت طابيثا صلاحها أقمصةً وثياباً، لم تعملها لأرملة واحدة، ولا لمجموعة أرامل قريباتٍ إلى قلبها، بل إلى كل الأرامل، لأن ثمر الروح فاض من شجرة حياتها ليطعم ويشبع كل من يقترب منها، مهما كانت خلفيته أو عقيدته. فإذا امتلأ قلبك بالروح القدس، ستعمل الصلاح مع الجميع، مهما اختلفوا معك، لأن الروح القدس يملأك أعمالاً صالحة وإحسانات.
ويقدم الوحي لنا مثلاً آخر للصلاح في يوسف، الرجل الصالح، وأحد التلاميذ. يقول الوحي عنه: "ويوسف، الذي دُعي من الرسل برنابا، الذي يُترجَم ابن الوعظ، وهو لاوي قبرصي الجنس، إذ كان له حقلٌ باعه وأتى بالدراهم ووضعها عند أرجل الرسل" (أعمال 33:4-36). لم يضع الدراهم بين يدي الرسل، بل عند أقدامهم، لكيلا يلاحظ أحدٌ تقدمته، فلم يعرِّف شماله ما تفعل يمينه!
وقد حصل يوسف على لقب "ابن الوعظ" لأنه كان دائماً يقول كلمة تشجيعٍ لنفس خائرة، بعد أن أعطاه الروح القدس لسان المتعلمين، فاستطاع أن يغيث المعيي بكلمة، وأن يشجع ويداوي القلوب المجروحة، ويعين النفوس المحتاجة للخلاص أو للنصرة على الخطية، أو لمواجهة الاضطهاد.
ولما كان برنابا سبب تشجيع للجميع، اختاره الرسل ليزور أنطاكية ويشجع المؤمنين هناك بوعظه، فذهب وشجَّع المؤمنين فيها أن يثبتوا في الرب بعزم القلب، لأنه كان رجلاً صالحاً ممتلئاً من الروح القدس والإيمان، فانضمَّ إلى الرب جمع غفير (أعمال 19:11-24).
في عام 1982 ذهبتُ إلى نيروبي كينيا، لحضور مؤتمر "مجلس كنائس كل أفريقيا". وكان المجلس يحتاج لتكملة مبانيه. فجاء الرئيس دانيال أراب موي، رئيس كينيا، ليساعد في جمع التبرعات. ودخل في استقبال رسمي إلى المنصَّة على البساط الأحمر. وكانت هناك كل وسائل الإعلام. وألقى كلمة قال فيها فكرتين:
1 - مدح السيد المسيح المرأة التي ألقت فلسين في طبق العطاء، لا لأن قيمتهما كبيرة، ولكن لأن ما تبقَّى عندها بعد ذلك كان "لا شيء". فقد قدَّمت "كل ما عندها، كل معيشتها" (مرقس 41:12-44) .
2 - لا تظنوا أنكم ستدخلون السماء لأنكم تدفعون تبرعات لبناء كنيسة، فإننا ندخل السماء اعتماداً على دم الحمل وحده، الرب يسوع المسيح، بالنعمة وحدها، وبالإيمان.
كان حديثاً جميلاً، خصوصاً أنه من رئيس دولة. وقدم الرئيس موي تبرعه، ثم أخذ الحاضرون يقدمون تبرعاتهم: آلافاً ومئات. ثم تقدم شاب يجرّ خروفاً كتبرع. وطلب الرئيس الكيني أن يقف الشاب بالخروف على البساط الأحمر، ثم قال: "يجب أن يُباع هذا الخروف بالمزاد العلني". ودفعت سيدة ألفي شلن كيني ثمناً للخروف، مع أنه يومها كان لا يستحق أكثر من مائتي شلن. وكانت مفاجأة لنا جميعاً لما قالت المشترية: "هذا الخروف هو كل ما تمتلكه سيدة فقيرة، أرسلته مع أحد شباب الكنيسة لتقدمه للرب. وأنا أعيده مرة أخرى إلى صاحبته لأنه كل ما تملك".
إن الروح القدس يعمل في كل مكان: في رئيس دولة، كما في سيدة فقيرة قدمت كل ما عندها، وبين الرئيس والفقيرة ملايين المؤمنين الذين يحبون الرب، والذين أعطوا الروح القدس فرصة السيطرة عليهم، فأثمروا ثمر الروح: صلاحاً.
ثانياً: الاهتمام بخدمة المسيح
عندما يملأ الروح القدس قلوبنا ويسيطر على تصرفاتنا، نقوم بعملٍ صالح للرب نفسه، ونقدم عملاً صالحاً لخدمته. ويقدم الإنجيل لنا مثالاً في هذا من سيدةٍ سكبت قارورة طِيبٍ كثير الثمن على رأس المسيح وهو متكئ. وعندما رأى تلاميذ المسيح الطِّيب المسكوب اغتاظوا وقالوا: "لماذا هذا الإتلاف؟ لأنه كان يمكن أن يُباع بكثير ويُعطى للفقراء". فدافع المسيح عنها وقال: "لماذا تزعجون المرأة؟ فإنها قد عملت بي عملاً حسناً" لأنها قدَّمت تقدمتها، ولم يهمّها استحسان الموجودين أو انتقادهم. ولم يكن حكمهم عليها يغيّر شيئاً مما عزمت أن تفعله، فقد امتلكت محبة المسيح عقلها وقلبها، فلم يعد هناك شخصٌ آخر يستولي على تفكيرها أو مشاعرها إلا يسوع وحده. ولما أحبته عملت به عملاً حسناً (متى 7:26-13).
إن الإنسان شرير بطبيعته وبعمله، وقلبه خالٍ من كل صلاح لأن نفسه تأمره بالسوء، وهو لا يقدر أن يفعل أي صلاح إلا إذا غيَّر المسيح قلبه بعمل الروح القدس. أما الإنسان الطبيعي فلا يطلب الله ولا يُسرُّ بشريعته، كما هو مكتوب: "ليس بارٌّ ولا واحد. ليس من يفهم. ليس من يطلب الله. الجميع زاغوا وفسدوا معاً. ليس من يعمل صلاحاً. ليس ولا واحد" (رومية 10:3-12). ومن واجب كل إنسان أن يقبل خلاص المسيح فيولد ولادةً روحية ثانية، من فوق، بعمل الروح القدس. وسيجازي الله من يولدون من فوق، لأنهم سيثمرون ثمر الروح. "سيجازي كل واحدٍ حسب أعماله. أما الذين بصبرٍ في العمل الصالح، يطلبون المجد والكرامة والبقاء (سيجازيهم) بالحياة الأبدية... مجد وكرامةٌ وسلام لكل من يفعل الصلاح" (رومية 6:2 و7 و10).
ماذا نفعل نحن من صلاحٍ لسيد الصلاح؟ ما هي الخدمة التي نقدّمها للذي جاء لا ليُخدَم بل ليخدِم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين (مرقس 45:10)؟
نتمنى أن تصدق علينا جميعاً كلمات الرسول بولس: "نشكر الله كل حين من جهة جميعكم.. متذكّرين بلا انقطاع عمل إيمانكم وتعب محبتكم وصبر رجائكم" (1تسالونيكي 2:1 و3).
ليساعدنا الرب أن نقدّم أنفسنا وكل ما نملك له، فالعبد الصالح هو الذي يستثمر ما منحه له الرب من وزنات، فيصنع الصلاح، ويسمع استسحان سيده: "نِعِمّا أيها العبد الصالح والأمين. كنت أميناً في القليل، فأقيمك على الكثير. ادخُل إلى فرح سيدك" (متى 21:25). فهل سيوجِّه لك الرب كلمات الاستحسان هذه، ثم تسمع منه قوله: "أنا عارفٌ أعمالك وتعبك وصبرك، وقد احتملتَ ولك صبر، وتعبتَ من أجل اسمي ولم تكلّ" (رؤيا 2:2 و3).
صلاة
أعطني من صلاحك ما يجعلني صالحاً، فيرى الناس أعمالي الحسنة ويمجدونك. ساعدني لأحمل هموم الآخرين وأعتني بهم، لأسمع منك: نعمّا أيها العبد الصالح والأمين. آمين.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

LinkWithin

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...