درجات
الصلاة
+ مبدأ الهذيذ هو أن
يجلس الإنسان في موضع مظلم، ويبعد عن كل مفاوضة بشرية، ويهذ في قلبه بالصلوات
والتسابيح التي يعرفها، ويرتب تلاوة من عنده حسب قوته، وعقله مجموع بالهذيذ، ومداوم
على قرأة الكتب والمزامير.. لأنَّ من هذه يتولّد داخل العقل الهذيذ الروحانيّ، ومن
مداومة الهذيذ يكون جمع العقل.
+ الهذيذ بأسرار معرفة
الثالوث يجعل القلب والنفس والعقل، تصطبغ بالنور والحق والحياة وتمتليء
فرحاً.
+ الهذيذ
بالواحد هو الانحلال من الكل، والارتباط بالواحد هو الابتلاع بحُبه والحديث معه،
وإذا انحلت النفس من الكل وارتبطت بالواحد، فلا عزاء لها من جهة أُخرى ولا تنظر معه
شيء، وتفهم أنَّ السماء والأرض مملؤتان منه، وبه نحن أحياء ومتحركين وموجودين، ولا
تستطيع أن تهدأ من التهاب محبته.
+ لا تظن أنَّ الإنسان
المُقيّد بالجسديات، يمكنه أن يُصلي بدالة أمام الله.
+ إنَّ تشويش الهذيذ
الداخليّ ناجم عن الاهتمام الكثير بالقريب، إذ لا يستطيع الذهن أن يهذ بالاثنين
معاً.
+ صلاة الهذيذ هى أفهام
من جهة الحياة، ومعرفة فاضلة عن الحياة المائتة، وهى أبواب تختلج في
قلوبنا.
+ اعلم أيها الإنسان
المتتلمذ للحق: إنَّ طهارة الصلاة وجمع العقل فيها هو الهذيذ الحقيقيّ.
+ إذا تقدم الإنسان
بالنعمة في تدريب الهذيذ، فإنه يبتديء قليلاً قليلاً يُلاحظ الأفهام السرية الكائنة
في كلام الله، والمزامير والأعمال الجارية حوله، وفى حركات الروح داخله ينظر سفينة
حياته تسير للأمام يوماً بعد يوم
+ الهذيذ الدائم بالله
يؤهلنا للصلاة بلا انقطاع، ومن الصلاة يتحرك القلب للهذيذ بغير فتور.
+ من ابتداء الإنسان
بعمل تدبير العقل الذي هو الهذيذ بالإلهيات، وإلى أن يبلغ عمل التدبير الروحانيّ
الذي هو التأمل بالروح والدهش بالله، هو محتاج إلى التغصّب في الصلاة أكثر من
الأعمال الأُخرى.
+ بمداومة الهذيذ بالله
وسكون الأفكار، يستطيع الضمير أن يتفرس في الله في كل أنواع الصلاة، ويكتشف معرفة
فاضلة عن الله.
+ عندما يتسلّط الهذيذ
على كل الأفكار، يستضيء العقل بالخفيات الداخلية ومعرفة الله، ومن هنا نقول:
" مَنْ
سَيَفْصِلُنَا عَنْ مَحَبَّةِ الْمَسِيحِ؟ أَشِدَّةٌ أَمْ ضَِيْقٌ أَمِ اضْطِهَادٌ
أَمْ جُوعٌ أَمْ عُرْيٌ أَمْ خَطَرٌ أَمْ سَيْفٌ؟" (رو35:
8).
+ حرارة الصلاة والهذيذ
تحرق الآلام والأفكار كمثل نار آكلة، وهذا النوع من الهذيذ يمنحك أجنحة، ويبلغك إلى
العقل الروحانيّ الذي تكون خدمته بالروح لا بالفم.
+ ليس فقط تكون عندنا
الحرب كلا شيء، بل ونزدرى أيضاً بالجسد الذي سبب القتال، هذا هو تدبير الصلاة، وهذه
هى منفعة الهذيذ.
+ لا يُكتب كلام الروح
على دفتر القلب بقلم اللسان، بل بهذيذ العقل.
+ لا يوجد تدبير يُبعد
العقل عن العالم ويُنجيه من الخطايا مثل الهذيذ بالله، هذا العمل عسر جداً وصعب
لكنه خفيف وسهل.
+ إن كنت تريد أن يكون
لك الهذيذ الدائم بالله، الذي هو الحجاب أمام الأفكار الفاسدة، ابدأ بكثرة الصلوات
على الدوام.
+ أنا أنصحك أن تجلس في
هدوء، وابدأ برفع قلبك في صلاة صامتة بدون تلاوة محفوظات من مزامير وغيرها وبدون
سجود..
+ قلب البعيد عن أي ذكر
إلهيّ مليء بالحقد على قريبه، أما الذي يهذ بذِكر الله فإنَّه يُكرم جميع الناس،
ويجد معونة الله عوناً له عند الجميع سرياً.
+ يوجد
إحساس روحيّ يتولّد من الهذيذ، فيُنعم القلب ويُفرح النفس ويُبهجها، ويوجد إحساس
آخر يحل في النفس بسبب المعرفة من الهذيذ، وذلك من فرط محبة المعرفة للأمور
الروحية، والتقدم في الحديث مع الله بمخافة وانشغال الضمير بمحبة هذه الأشياء،
ويكون ذلك من التقدم في الهذيذ الحسن لأجل الله، والمهتم بمحبة هذا التدريب على هذه
الأمور لتقويم عمله، تتولّد فيه على الدوام نظرة هذه الأمور بالروح، فإذا تنقت
النفس بخوف الله، عند ذلك تحل الثاؤريا الروحية من غير أن يكون له عناية بها.
+ الصلاة تختلف عن
التأمل ولو أنهما يتسببان من بعضهما، وفى التأمل يصل الإنسان إلى الرؤيا، حيث يبقى
الشخص بلا حراك.
+ الصلاة شيء والتاوريا
شيء آخر، ولكنَّ الثانية متعلقة بالأولى، فإذا شبهنا الأرض ببذر فإنَّ الثانية هى
حمل الثمار، ولا يصح أن نُسمّي الثاؤريا أو الدهش صلاة إذ أنَّها تكون من فعل الروح
القدس وتدبيره.
+ إنَّ عمل تدبير
الفضيلة وسيرة العقل الخفية (الهذيذ) هى تحت سلطة الإرادة، وفيها تعب وجهاد، وهى
محصورة داخل عمل الهذيذ، وأمَّا الحركة الروحانية (التأمل بالروح) فهى ليست موضوعة
تحت حرية الإنسان، ولا تُقتنى بالتعليم أو التدريب أو عمل الإرادة، وإنَّما توهب
لأنقياء القلب.
+ الصلاة الروحانية
أعمق من الشفتين واللسان، هى أعمق من تلاوة المزامير وغيرها، وإذا ما أراد أن
يُصلّي بها يغطس داخل قلبه، بعيداً عن الفهم واللسان، هناك في بلد الملائكة بغير
كلام يقدّس مثلهم، فإذا عاد إلى اللسان ليُعبّر عن شعوره، يكون قد خرج من بلد
الملائكة.
+ التأمل الحقيقيّ هو
إماتة القلب، والقلب المائت بالتمام عن العالم هو حي بالله.
+ الأهواء تُقتلع وتهرب
بالتأمل المستمر في الله، إنَّه السيف الذي يقضي عليه.
+ إنَّ بين المنهمكين
بأُمور العالم وبين المنشغلين بالتأمل فرقاً! فالأولون تبتديء أُمورهم حلوة،
مُفرحة، وتنتهي مرة، كئيبة، مظلمة، أمَّا الآخرون فتبتدىء أُمرهم مريرة،محزنة،
مظلمة، إلاّ أنها بالفرح والبهجة والسرور تنتهي، والذي ذاق الطريقتين يعرف قيمة هذا
القول.
+ صلاة اللسان مفتاح
لصلاة القلب، وصلاة القلب يكون بعدها إلى الكنز، حيث لا تكون صلاة ولا دموع ولا
تضرع إذ تكون الروح دخلت إلى التاوريا الروحية.
+ هذه النعمة يؤهل لها
الإنسان إذا ما تعرى العقل من الإنسان العتيق.
+ يتبع الجلوس المنفرد
دهش العقل وعدم التشتت.
+ القديسون يقولون أنَّ
عقولهم تُخطف أثناء الصلاة، وتعبر حدود الصلاة المعروفة، وتصل إلى الذهول والدهش،
حيث يتوقف الإنسان عن الصلاة.
+ القديسون في العالم
الآتي لا يُصلون، لأن العقل يكون ابتُلع منهم بالروح، وهم يسكنون في الدهش في المجد
الآتي.
+ هوذا القديس أنطونيوس
إذ كان واقفاً يُصلى على قدميه 9 ساعات، أحس أنَّ عقله اُختُطف وارتفع، وآخر مكث في
الدهش 4 أيام.
+ إذا قَرُب
الإنسان من التأمل بالروح، وحظى بحدودها ينجذب إلى الأشياء التي كان يعملها
متغصباً، إليها في كل وقت بلا تغصب، ويجد فيها لذة، والدهش يجذبه إليه بغير إرادته،
ويوجد جاثياً، ساجداً بوجهه على الأرض، بلا أفكار أو صلاة أو هذيذ، وإنما تتأمل
روحه في عظمة الله وسياسة تدبيره وحكمته، وفى الوقت الذي تُصادف فيه النفس هذا
الشعور الخفي، حينما يتحرك العقل بالنعمة الروحانية، تتخلّف في الحال عن الهذيذ،
وتتخلّف الحواس عن عملها، ويبقى في حالة دهش.
+ أمَّا تدبير السيرة
الروحانية فهو بعيد عن عمل الحواس، لأنَّ عقول القديسين إذا ما قبلت الثاؤريا، عند
ذلك ترتفع وتزول كثافة الجسم، فتكون النظرة حينئذ روحانية، وفى هذه النظرة يُدرك
العقل إدراكاً حراً نقياً.. هذا هو الدهش.. وهذا هو التدبير المرتفع المزمع أن
يُعطى بحرية في الحياة الأبدية، حيث لا تنقطع الطبيعة البشرية قط من الدهش الدائم
بالله تعالى ولا نتصور شيئاً من الخلائق أو نرتبط بها لأنَّ الله يكون الكل في
الكل.
+ إذا انقشعت حواجز
الآلام من أمام عين العقل، وشخص العقل في ذلك، فإنَّه في الحال يتعالى بالدهش، فإذا
أدركته النعمة فإنه يسكر فيها مثل الخمر وتنحل أعضاؤه، ويمكث فترة حائراً، ويُسبى
قلبه خلف الله، ويصير كأنَّه سكر من الخمرة حتى إنَّه وهو لابس جسده لا يعلم إن كان
في العالم أم لا! هذا هو مبدأ النظرة الروحانية واستعلانها.
+ إذا ارتفع من
الكائنات تزول من الجسم كل علامات الصلاة، حتى الدموع وكل حركة وكل إحساس، ما خلا
نبضات الحياة الطبيعية، لأنَّ تلك المعرفة لا تتنازل لتأخذ مشاركة الحواس أو تستعير
أشكالاً وصوراً من هذا العالم المحسوس، بل بنظر العقل.. هكذا سمع المغبوط بولس
كلاماً لا يُنطق به لا يُسمع بحواس الجسد، ونظر أشياء لا تُنظر بالحس ولا تُدرك
بأشكال متجسّمة، بل بحركة العقل حينما يُخطف من الجسد.
+ في الليلة التي أسهر
فيها من العشاء إلى الصباح، وبعد ذلك استريح قليلاً أقوم من النوم وأُكمل نهاريّ
كمن ليس في هذا العالم، ولا يصعد على قلبيّ أيّ فكر أرضى ولا أحتاج إلى تكميل
قوانين الصلاة المفروضة، لأني أظل نهاريّ كله في الدهش، والذي يؤهل إلى الئاؤريا،
يكون ثابتاً كجثة لا نفس فيها، وهذا ما ندعوه بالنظرة.
+ قسّم أوقات النهار،
فمنها وقت للخدمة، ومنها وقت للهذيذ، وإن نظرت هناك وقت كافٍ فليكن لنقاوة الخلجات
وإن كان العقل مظلماً فلتزد في القرأة التي توافق ذلك الوقت، أمّا إذا اتّحد الهذيذ
بالصلاة بالنقاوة، فعند ذلك تكمل كلمة سيدنا: " لأَنَّهُ
حَيْثُمَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ بِاسْمِي فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي
وَسَطِهِمْ " (مت20: 18)، أعنى النفس والروح
والجسد، والعقل والهذيذ والصلاة، وتنتهي أمر ثلاثتهم إلى الدهش.
+ النظر الإلهيّ هو
استعلان العقل بلا حواس.
+ نظرة مجد الله هى أن
يتحرك في العقل فهم على عظمة طبيعة الله.
+ بدون النور الإلهي لا
تقدر عين العقل أن ترى الحق، كالعين الجسدية فإنَّ قوة نظرها لا تعمل إلاّ بحضور
النور الطبيعي.
+ نور يسوع
هو نور معقول، وطوبى للنفس التي استحقت نظرته.
+ الذين يقولون: إنَّه
يمكن رؤية سيدنا في هذا العالم بالحواس، مثل من يعتقدون أنَّ في العالم الجديد
شيئاً محسوساً، وأن تنعم الملكوت يكون بالحواس والوجود فيه يكون مادياً.
+ الشعور بالفرحة أثناء
الصلاة خلاف الرؤية أثناء الصلاة، والأخيرة أرفع من الأولى، كمثل ما يمتاز الرجل
البالغ عن الولد الصغير.
+ أحياناً تصير الكلمات
حلوة في الفم، وكلمة واحدة تملأك سروراً ومن فرط الشعور بعدم الشبع لا تتركها إلى
ما بعدها، ولكن حينما يدخل الإنسان في التأمل، تتلاشى الصلاة بكلماتها من الشفاه،
والذي يؤهل لهذه النعمة يشعر أنه بلا جسد من فرط عدم الشعور به، ومن الذهول الذي
يغشى العقل الواعي، هذا ما نسميه الرؤيا أثناء الصلاة، وليس صوراً أو أشكالاً من
تزوير الخيال.
+ إذا سأل إنسان: لماذا
تكون الثاؤريا والإستعلان وقت الصلاة فقط؟ نقول: في وقت الصلاة يكون عقل الإنسان
مجموعاً إليه، وشاخصاً في الله باشتياق فتأتيه الرحمة، وأي وقت من الأوقات يكون فيه
اللسان مستعداً، محترساً كمثل وقت الصلاة؟ متى ظهر الملاك لزكريا وبشره بيوحنا؟
أليس عندما كان يرفع البخور أمام الله! والقديس بطرس، ألم يظهر له الإستعلان بدعوة
الشعوب إلى الإيمان وهو يُصلى (الساعة السادسة)! وأيضاً كرنيليوس ظهر له الملاك
حينما كان يُصلى!
+ قهر النفس في العمل
يولّد الحرارة اللامحدودة التي تلهب في القلب بشكل تذكارات حارة تجول في الذهن،
والحرارة تسبب فيضان الدموع، التي تكون ذات منفعة في البداية، والدموع تجعل في
النفس سلام الأفكار، وبسلام الأفكار ترتفع النفس إلى طهارة الذهن، ومن طهارة الذهن
ينتقل إلى مشاهدة أسرار الله، وبعد ذلك يبلغ إلى مشاهدة إعلانات وآيات، وهذه
الإعلانات تقرّب النفس إلى الله ومراحلها ثلاث:
. قهر النفس
في الجوع والقرأة والسهر.
. الرؤيا أو
المشاهدة.
. الحرارة
المتولّدة من الدمع الهاديء.