يوم الأمور الصغيرة
«لأنه مَن ازدرى بيوم الأمور الصغيرة»؟! (زك4:
10)
حقاً كان يوم
ميلادك يا سيدي هو يوم الأمور الصغيرة، طفل صغير مقمط وموضوع في مزود حقير، تزاحمه
الحيوانات في رقدته ويزاحمها في مكان طعامها وبياتها، تحتضنه أم صغيرة لم تتجاوز
مرحلة الصبا المبكر، نجار بسيط يقوم بحراسة الأسرة الصغيرة وسط الليل الموحش، رعاة
بسطاء يأتون بأغنامهم الصغيرة ليضيفوا إلى الصورة المزيد من ملامح الفقر
والبساطة!!
لقد أردت في
حكمتك الأزلية أن تحجب مجدك خلف أثواب البساطة المتناهية، وشئت أن تستر بهاءك وراء
أردية الفقر المدقع، أردت ألا تكتحل بمرآك لحظة دخولك إلى العالم إلا عيون الفقراء
والبسطاء، إنك حقاً تقاوم المستكبرين أما المتضعين فتعطيهم نعمة!!
ليس ميلادك فقط
يا سيدي لكن أيام نشأتك وصباك كانت أيام الأمور الصغيرة، صبي صغير يعمل باجتهاد في
محل صغير للنجارة، بلدة صغيرة لدرجة أن أحداً لم يتوقع أن يخرج منها شيئاً صالحاً،
تقع في منطقة جليل الأمم المحتقرة من غالبية اليهود المتعصبين!!
وأيام شبابك
ورجولتك كانت أيضاً أيام الأمور الصغيرة، حياة بسيطة وثياب بسيطة وطعام بسيط، تسير
وسط جماعة بسيطة تقضى معظم نهارها سيراً على الأقدام وتكتسب عيشها من الصيد معظم
الليل، لا مال ولا جاه وأحياناً لا مكان تسند فيه رأسك لتنام، أصدقاؤك من البسطاء
بل أحياناً من المُصنَّفين عشارين وخطاة!!
المشكلة أن
الناس اعتادت أن تزدري بالأمور الصغيرة، لا يلفت نظرها إلا الأمور الكبيرة، لا
يحظى باهتمامها إلا الأمور ذات البريق والضجيج، الملوك والرؤساء، الأغنياء
والشرفاء، الأقوياء و العظماء، لذلك لم يلفت ميلادك نظر أحد ولم تحظ في صباك
باهتمام أحد، ولما بدأت خدمتك في مجمع الناصرة، بلدتك التي شهدت طفولتك وصباك،
أرادوا أن يلقوا بك من فوق الجبل، وكانت حجتهم أنك مجرد «نجار» وأمك وإخوتك كلهم
من البسطاء، لم يتصور أحد أن الصبي الفقير الذي كانوا يتبادلون معه التحية في أزقة
مدينتهم يمكنه أن يقف في المجمع ليعظهم، حقاً أن الناس تعشق مَن يخدعهم بالمظاهر
الكاذبة وتنفر من الذي يأتيهم بالحقيقة المجردة!!
احفظني يا سيدي من الازدراء بالأمور الصغيرة، أن
مَن يزدري بيوم الأمور الصغيرة يحرم نفسه من رؤية مجد الله الذي يستتر كثيراً وراء
الأمور البسيطة والمعتادة، احفظني مؤدياً خدمتي البسيطة المعتادة كل يوم بأمانة لا
تفتر ولا تكل، احفظني غير مهتم بالأمور العالية بل منقاداً إلى المتضعين، قريباً
من البسطاء ومنكسري القلوب، احفظني عاملاً مشيئتك في الأعماق الهادئة بعيداً عن
ضجيج المظاهر الخادعة والأبواق الزاعقة، احفظني متمثلاً بك في ميلادك وحياتك:
بسيطاً متضعاً، لا يعنيني بريق العالم وأضواؤه ولا تجتذبني مظاهره وضوضاؤه، مهتماً
دائماً بالجوهر البسيط أكثر من المظهر المركَّب!!
وكل سنة ونحن بك يا سيدي طيبين!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق