4) مفهوم الطموح

4) مفهوم الطموح

1- مفهوم الطموح
2- الطموح الخاطئ
3- الفرق بين الطموح الروحي والطموح الخاطئ

1- مفهوم الطموح
الطموح هو الرغبة في الازدياد، والتطلع باستمرار إلى قدام.
هو حالة إنسان لا يكتفى، ولا يحب أن يقف عند حد.
فهل هذا خطأ أم صواب؟ هل هو وضع روحى أم غير روحى، طبيعى أم غير طبيعى؟
يستمر فيه الإنسان أم يقاومه؟
إنه سؤال هام نجيب عليه الآن، من حيث نوعية الطموح واتجاه مساره.

الطموح هو شئ طبيعى. جزء من طبيعة الإنسان.
فكيف ذلك؟ نقول إن الإنسان قد خلق على صورة الله ومثاله.

والله غير محدود فكيف يكون الإنسان على صورة الله في هذه الصفة بالذات، بينما الله هو الوحيد غير المحدود؟

الإجابة هى:
لقد وجد الله في الإنسان اشتياقا إلى غير المحدود.
مادام الإنسان لا يمكن أنت يكون غير محدود في ذاته، لأن هذه صفة الله، لذلك أصبحت عدم المحدودية يمكن أن تكون في رغباته وفى طموحاته.. كلما يصل إلى وضع، يشتاق إلى ما هو لأعلى، وما هو أفضل، في النطاق المسموح به لإنسانيته، بحيث (لا يرتئى فوق ما ينبغى.. بل يرتئى إلى التعقل) (رو 12: 3).

مادام الإنسان على صورة الله، إذن فالطموح شئ طبيعى.

ولكن يختلف الطموح من شخص لآخر.
وحسب نوع الطموح عليه بأنه خير أو شر..
لكى تمتلئوا إلى كل ملء الله) (أف 4: 18: 19).
صدقونى يا أخوتى أننى أقف مبهوتا ومنذهلا، أمام هذه العبارة الأخيرة:

(لكى تمتلئوا إلى كل ملء الله)..!
مادام طريق الكمال طويلا جدا إلى هذا الحد، وإلى هذا المفهوم العميق،

إذن ينبغى علينا أن لا نسير فيه ببطء أو تكاسل، بل نستمع إلى القديس المختبر وهو يقول (أركضوا لكى تنالوا..)

(1كو 19: 24) ويطبق هذا على نفسه فيقول (إذن أنا أركض هكذا) (1كو 9: 26).

عجباً على هذا القديس، الذي كان مازال يركض، حتى بعد أن صعد إلى السماء الثالثة.

الطموح المقدس إذن هو طموح روحى.
نحو الهدف الروحى، وبأسلوب روحى.
ومع ذلك هناك طموح آخر، عالمى وخاطئ، فما هو؟

2- الطموح الخاطئ
إنه طموح مركز على الذات، ولأهداف عالمية، وربما بوسائل خاطئة..
مثل الطموح في الغنى، في اللذة، في الشهوة، في المال، في الألقاب، في العظمة في المجد الباطل، وما أشبه..

مثال ذلك الغنى الغبى.
هذا الذي (أخصبت كورته) فقال (أهدم مخازنى، وابنى أعظم منها، وأجمع هناك جميع غلاتى وخيراتى. وأقول لنفسى: يا نفسى لك خيرات كثيرة موضوعة لسنين عديدة. استريحى وكلى وأشربي وأفرحي) (لو 12: 18، 19) وهكذا كان مركزا في المادة وحول ذاته. ولم تدخل علاقته بالله في طموحه لذلك سمع ذلك الحكم الإلهى (يا غبى، في هذه الليلة، تؤخذ نفسك منك. فهذه التي أعددتها، لمن تكون؟!) (لو 12: 20).

مثال آخر هو سليمان الحكيم:
كانت طموحاته في العظمة والرفاهية، وفى اللذة والنساء. وهكذا قال عن نفسه (عظمت عملى. بنيت لنفسى بيوتا، غرست لنفسى كروما، عملت لنفسى جنات وفراديس.. قنيت عبيدا وجوارى جمعت لنفسى أيضا فضة وذهبا، وخصوصيات الملوك والبلدان. اتخذت لنفسى مغنين.ومغنيات، وكل تنعمات البشر سيدة وسيدات. فعظمت وازدادت أكثر من جميع الذين كانوا قبلى في أورشليم ومهما اشتهته عيناى لم أمسكه عنهما) (جا 2: 4 – 10).

وماذا كانت نتيجة كل هذه الطموحات العالمية؟ يقول سليمان (ثم التفت أنا إلى كل أعمالى التي عملتها يداى، وإلى التعب الذي تعبته في عمله، فإذ الكل باطل وقبض الريح، ولا منفعة تحت الشمس) (جا 2: 11).

نعم، هذا هو الطموح العالمى الباطل.. وكيف أنه قاد سليمان إلى الخطية وإلى عقوبة الله. وقال عنه الوحى الإلهى (إن نساءه أملن قلبه وراء آلهة أخرى. ولم يكن قلبه كاملا مع الرب إلهه) (1مل 11: 4).

من الطموحات العالمية أيضا: الذين بنوا برج بابل.
أرادوا العظمة والعلو. وقالوا (هلم نبن لأنفسنا مدينة، وبرجا رأسه في السماء ونصنع لأنفسنا إسما) (تك 11: 4). فكانت النتيجة أن الله بلبل ألسنتهم، وبددهم على وجه الأرض..

(تك 11: 7، 8) لأن الله لم يوافق على هذا الطموح الممتزج بحب العظمة والكبرياء

ولكن أسوا طموح، كان طموح الشيطان!!

هذا الذي كان ملاكا ورئيس ملائكة، هذا الذي لقبه الكتاب بالكاروب المنبسط المظلل. وكان كاملا في طرقه يوم خلق (حز 28: 14، 15).

وعلى الرغم من سقوطه استمر في طموحاته الشريرة.

حتى وصل به الأمر أنه من على جبل التجربة قال للسيد المسيح له المجد، وهو يشير إلى جميع ممالك الأرض ومجدها (أعطيك هذه جميعها إن خررت وسجدت لى) (مت 4: 8، 9) فانتهره الرب قائلا أذهب يا شيطان.

 واستمر في طموحاته، يريد أن ينافس الله، ويضل الأمم الذين في أربع زوايا الأرض (رؤ 20: 8) ويسبب الارتداد العظيم الذي يسبق المجئ الثانى (2تس 3، 9) وبنفس هذا الطموح الخاطئ عمل على إسقاط أبوينا الأولين، في الإغراء على الأكل من شجرة معرفة الخير والشر، قائلا (تصيران مثل الله عارفين الخير والشر) (تك 3: 5).

هناك نوع من الطموح يمتزج بالغرور.
غرور سابق للطموح، وغرور لاحق له..

أما عن الغرور السابق، فهو أن يظن الشخص في نفسه فوق ما يستطيع ويرتئى فوق ما ينبغى (رو 12: 2) وربما يقفز إلى درجات روحية فوق إمكانياته، فلا يحسن منها شيئا بل يهبط إلى أسفل. أو يطمح إلى مسئوليات فوق قدراته فيفشل..

وإن نجح في شئ، يلحقه غرور آخر فيطلب المزيد..

إن كثير من القادة السياسين أضاعهم الطموح الزائد في الاتساع ومواصلة الانتصار، حتى انتهوا إلى الفشل والضياع، مثلما حدث لهتلر ولنابوليون أيضا..

إن شهوة الاتساع والامتداد كثيرا ما أتعبت الطامحين.

وأوصلتهم إلى الطمع وعدم الاكتفاء. كما يقول سليمان الحكيم (كل الأنهار تجرى إلى البحر، والبحر ليس بملآن) (جا 1: 7) وأيضا (العين لا تشبع من النظر، والأذن لا تمتلئ من السمع) وهكذا تجد كثيرا من المحارَبين بالطموح العالمى، نفوسهم في تعب مهما نالوا ومهما أخذوا بسبب الإتساع والطمع التي لا يشبعها شئ.

3-الفرق بين النوعان
الطموح الخاطئ: كلما يصل ينتفخ ويتكبر.
أما الطموح الروحى، فيفرح بالرب في إتضاع.
إن عمل الإثنان في المجال الدينى. فصاحب الطموح الخاطئ يحب أن يصل إلى مواهب الروح التي ينال بها مجدا من الناس. أما صاحب الطموح الروحى، فيسعى إلى نوال ثمار الروح (غل 5: 22، 23) التي يتمتع فيها بمحبة الله وبالفضائل الخفية.. إنه يجاهد في الروحيات لا ليفتخر بما وصل إليه، بل لأنه لذة روحية في الالتصاق بالرب. وكلما يزداد إتضاعا، عارفا أن طريق الكمال لا يزال بعيدا. وينظر إلى المثل العليا في حياة القديسين، فيرى أنه لم يفعل شيئا! ومهما وصل طموحه يتذكر قول الرب:

(متى فعلتم كل ما أمرتم به، فقولوا إننا عبيد بطالون) (لو 17: 10)

لذلك فإن قديسين كثيرين وصلوا إلى مستويات عالية جدا، ومع ذلك كانوا يبكون على خطاياهم. لأنهم كانوا في طموحهم الروحى، كانوا في طموحهم الروحى، كانوا يرون درجات أعلى وأعلى، لم يصلوا إليها بعد..

إن المقاييس تتغير بين الروحيين وأهل العالم في طموحهم.

· الذى عنده طموح عالمى يحب مثلا أن يزداد في الغنى، وتكثر أمواله وأرصدته يوما بعد يوما حتى أنه يصاب بالتجلى.. أما الإنسان الروحى، فإن طموحه هو في توزيع ماله على الفقراء، حتى يكون له كنز في السماء..

 · الإنسان الذي عنده طموح عالمى، يجب أن يكون الأول باستمرار، بل الوحيد ويحب المتكئات الأولى. أما الإنسان الروحى فإن طموحه في أن يكتسب فضيلة الإتضاع، وأن يأخذ المتكأ الأخير ويضع أمامه قول الرسول (مقدمين بعضكم بعضا في الكرامة) (رو 12: 10) وهكذا يجتهد أن يكون آخر الكل وخادما للكل (مر 9: 35)

وهكذا يتحول إلى إنسان خدوم، يحب الخدمة وينمو فيها. ويحبه كل الناس لخدمته لهم.
الطموح العالمى ينافس الناس ليحل محلهم.
أما الطموح الروحى فيساعدهم على الوصول.

إنه لا يزاحم الناس في طريق الحياة، بل بمحبته يفسح الطريق لهم ليسيروا. إنه من كل قلبه يريد أن يصل إلى الله. ولكنه في طموحه يحب أن يسبق غيره، أو أن يعطل غيره ليصل قبله.

لما يشوع بن نون رأى اثنين يتنبآن، أراد أن يردعهما، حيث أن النبوة هى لمعلمه موسى النبى. فوبخه موسى بقوله (هل تغار لى أنت يا ليت كل الشعب كانوا أنبياء، إذا جعل الرب روحه عليهم) (عد 11: 26 – 29)

الذى عنده طموح روحى يهدف أن يصل إلى قمة الروحيات، من أجل محبته لله، ولكنه لا يفكر أبدأ أن يسبق غيره، أو ينافس غيره، أو يتفوق عليه في الروحيات..

الطموح الذي يريد التفوق على الغير، هذا قد انتصرت عليه الذات.
إن طريق الله يتسع لجميعنا، وقمم الروحيات معروضة على الكل. والنعمة مستعدة أن تساعد كل أحد على الوصول. فلماذا التنافس والتزاحم إذن في طريق الطموح، بينما فيه متسع للجميع؟! أتريد في طموحك أن تنتصر على غيرك في الروحيات؟! لماذا؟! وهل في هذا الإنتصار، تجد روح المحبة التي تسعى إليها في طموحك؟!

أما طموح الإنسان الذي لا يحب فقط أن يكون الأول، وإنما الوحيد.. فهو بلا شك طموح شرير.

لأنه في طموحه، لا يريد لغيره الخير. وهذا شر. إنه طموح قد انحرف، وتحول إلى محبة الذات أو تحول إلى الأنانية.

الطموح الروحى يسعى إلى الأرتفاع فوق مستويات معينة، وليس فوق أشخاص معينين.
فمن الجائز أن ترتفع فوق أشخاص معينين، ويبقى مستواك منخفضا. كما أن رغبة الأرتفاع فوق الغير، قد تعصف بك إلى نطاق الحسد والغيرة، مما يتعارض مع روح المحبة الحقيقية. وتظل ترقب هذا الذي ينافسك، وقد تفرح بفشله لأن هذا يعطيك فرصة التفوق عليه. وهكذا تفقد نقاوة قلبك..

إسع إلى الامتياز، وليس إلى الأنتصار على الغير. وإن صرت الأول، فهذا حسن جدا. وإن لم تصر. فلا تحسد من صار الأول، بل افرح بتفوقه..

الإنسان الروحى طموحه في أن ينتصر على نفسه، لا على الآخرين.

وليكن هدفك من السعى إلى الكمال هو إرضاء الله وليس المجد الباطل..

إنها وصية إلهية أن تصير كاملا (مت 5: 48) فإن صرت هكذا، تفرح بإرضاء الله الذي نفذت وصيته. ويكون فرحا بغير افتخار، وبغير مقارنة بالآخرين.
الإنسان الروحى في الطموح، ينمو باستمرار.
فالنمو صفة عملية للطموح. ولكنه في نفس الوقت يفرح حينما يرى غيره ينمو أيضا..

الطموح الروحى ينمو في الروحيات: في الصلاة، في التأمل، في معرفة الله، في محبته، في خدمته، في محبة الآخرين.. وكلها ليست مجالا للتنافس.

إذا صلى، يحب أن ينمو في الصلاة: من جهة الوقت الذي يقضيه مع الله، ومن جهة ما في الصلاة من حرارة ومن عمق وتأمل، ومن حب وإيمان.

وهكذا مع باقى الفضائل. باستمرار يمتد إلى قدام.
أما غير الطموح، فقد يتوقف عند وضع معين، ويتجمد.
وهذا التوقف قد يؤدى إلى الفتور.
وفى الحياة العملية ينبغى أن يكون الإنسان طموحا.

يهدف إلى النجاح في كل ما تمتد إيه يده، كما قيل عن يوسف الصديق إنه كان رجلا ناجحا. وكان الرب معه. وكل ما كان يصنع، كان الرب ينجحه بيده (تك 39: 2، 3)

وهناك ولعل البعض يسأل: هل يتناقص الطموح مع القناعة؟! كلا.

فالقناعة تكون في الماديات، والطموح في الروحيات.

ويتمشى الإثنان معا. يقويان بعضهما البعض.

يسأل البعض كيف يكون طموحى نحو الكمال، بينما الكمال لله وحده. فأقول له المطلوب منك هو الكمال النسبى، وليس الكمال المطلق.. وإن لم تصل إلى الكمال، فعلى الأقل أن ينمو. ويجدك الله سائرا في الطريق، متقدما كل يوم.

كن كالشجرة التي كل يوم تنمو. فالصديق كالنخلة يعلو.

ولا تجعل طموحك في أمانتك في عملك، يعطل طموحك في روحياتك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

LinkWithin

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...