مفهوم الخطيَّة

 مفهوم الخطيَّة

1- مفهوم الخطية
2- الخطية ضد الله
3- الخطية من جهة الإنسان

1- مفهوم الخطية
كثيرون يقولون كلمة (أخطأت) بسهولة عجيبة!
دون أن يدركوا مفهومها، ولا عمق معناها..
ونحن جميعا نكرر هذه العبارة في الصلاة الربانية:
أبانا الذي في السموات، ليتقدس اسمك، ليأتِ ملكوتك...
"إغفر لنا خطايانا"..
ونقولها أيضا في المزمور الخمسين (إليك وحدك أخطأت واشر قدامك صنعت) ونفس العبارات نقولها في صلاة الثلاثة تقديسات (إغفر لنا خطايانا، وآثامنا، وزلاتنا) نقول هذا كله في هدوء، دون أن ندرك خطورة مدلولاته!! فما هى الخطية إذن؟

2- الخطية ضد الله
خطورة الخطية إنها أولا موجهة ضد الله.
لذلك فإن داود يقول للرب في مزمور التوبة (إليك وحدك أخطأت والشر قدامك صنعت) (مز 50) ويقول عن الخطاة (لم يسبقوا أن يجعلوك أمامهم) أى لم يفكروا أنك أمامهم، تراهم وتسمعهم. فالخاطئ كأنه في غيبوبة لا يدرى ماذا يفعل. يحتاج إلى من يوقظه ويجعله يفيق، لكى يدرى ما يفعل.

تدل الخطية على أنك لا تشعر بوجود الله.

فلو كنت تشعر بوجود الله، ما كنت ترتكبها قدامه، بدون خجل!! ولعل هذا ما كان يجول بذهن يوسف الصديق وهو يقول (كيف أفعل هذا الشر العظيم، وأخطئ إلى الله) (تك 39: 10) إذن أنت في الخطية، إنما تخطئ إلى الله قبل كل شئ: تقاومه وتعصاه وتتحداه، تحزن روحه القدوس تدنس سكناه في قلبك.. إلخ.

هل تشعر بكل هذا، وأنت تخطئ، أو وأنت تعترف بخطيتك؟ أم أنت تذكر الخطية ببساطة، دون أن تشعر بخطورتها وبشاعتها..! كإنسان مريض تسأله عن صحته، فيقول لك: (شئ بسيط. مجرد سرطان.. مجرد إيدز)!! وهو لا يدرى سرطان أو معنى إيدز!!

أولا: الخطية هى التعدى (1يو 3: 4).
هى التعدى على وصايا الله، كسر الوصايا، عدم الإهتمام بها.. أو هى التعدى على حقوق الله، وعلى كرامته وعلى أبوته.
معنى الخطية يؤخذ من ناحتين: من جهة الله، ومن جهة الناس.

الخطية من جهة الله، هى تمرد عليه.

ثورة على الله، وعصيان، وتمرد.. تصوروا حينما يثور التراب والرماد، ويتمرد على الله خالق السماء والأرض.. لاشك أنه لون من الكبرياء، أن يتمرد التراب أمام الله..

إنه قبل أن يكسر الوصية، تكون الكبرياء قد كسرت قلبه من الداخل.

الخطية إذن هى كبرياء وتشامخ.

ولذلك حسنا قيل في سفر الأمثال (قبل الكسر الكبرياء، وقبل السقوط تشامخ الروح).

(أم 16: 18) وبهذا الكبرياء يسقط الإنسان. إن المتضع الذي لصقت بالتراب نفسه، لا يسقط أما المتكبر، فإنه يرتفع إلى فوق ثم يسقط.

الخطية أيضا هى عدم محبة لله.
وفى هذا يقول القديس يوحنا الرسول (إن أحب أحد العالم، فليست فيه محبة الآب) (1يو 3: 15) إذن فالإنسان أمامه أحد طريقين: إما محبة العالم، أو محبة الله. وواضح أن الخاطئ يفضل محبة العالم على محبة الله، أو قل: يحب ذاته أكثر من محبته لله (وطبعا ذاته بطريقة تهلكها).
وطبيعى أن الخطية عدم محبة لله، لأن الخاطئ يعصى الله ويتمرد عليه.

الخطية عداوة لله، أو خصومة معه.
 وواضح هذا من قول القديس يعقوب الرسول (أما تعلمون أن محبة العلم عداوة لله؟!)

(يع 4: 4) فإن كانت كلمة (عداوة) صعبة فلنستخدم على الأقل كلمة خصومة. ولهذا فإن حال الخطاة يحتاج إلى مصالحة.. وهكذا يقول القديس بولس الرسول إن الله (أعطانا المصالحة) لذلك (نسعى كسفراء عن المسيح.. نطلب تصالحوا مع الله) (2كو 5: 18، 20) لذلك إن كنت إنسانا خاطئا، فأنت محتاج أن تتصالح مع الله..

وكخصومة، الخطية هى انفصال عن الله.

لأنه (أية شركة للنور مع الظلمة؟!) (2كو 16: 14) فالله نور، والخطاة يعيشون في الظلمة الخارجية، إذا قد أحبوا الظلمة أكثر من النور، لأن أعمالهم كانت شريرة)

(لأن كل من يحب السيئات يبغض النور، ولا يأتى إلى النور، لئلا توبخ أعماله) (يو 3: 19، 20).

الإبن الضال، حينما أحب الخطية، ترك بيت أبيه، وانفصل عنه، وذهب إلى كورة بعيدة (لو 15: 13) هكذا ينفصل عن الله، بقلبه وبفكره وبأعماله وعن هذا الإنفصال يقول الرب (أما قلبهم فمبتعد عنى بعيدا) (مر 7: 6)

وبقاء الخاطئ في هذا الإنفصال، وفى هذا البعد معناه أن عشرة الله لا تهمه ولا تروق له!! وهكذا فإنه يفض شركته مع الله، وينهى علاقته به، ولا تكون له بعد شركة مع الروح القدس، طالما هو يحيا في الخطية.

وبالخطية نحزن روح الله القدوس (أف 4: 30)
وهكذا حال الخطية منذ البدء. ففى قصة الطوفان يقول الكتاب (فحزن الله وتأسف في قلبه) (تك 6: 6) إن الله يحزن إذ يجد خليقته التي صنعها على صورته ومثاله، تتحطم أمامه، وتتدنس أمامه.

وفى الخطية لا نحزن فقط روح الله، إنما أيضا نقاومه ونعانده. كما قال القديس اسطفانوس الشماس لليهود في وقت استشهاده: أنتم دائما تقاومون الروح القدس كما كان آباؤكم (أع 7: 51).

بل قد يصل الخاطئ إلى حد يفارقه فيه روح الله.
كما قال الكتاب عن شاول الملك (وفارق روح الرب شاول، وبغته روح ردئ من قبل الله) (1صم 16: 14) ما أصعب هذا الأمر، أن يفارق روح الرب إنسانا!!

وإن كان هذا الكلام صعبا عليك، وتقول في احتجاج (كيف هذا: إن روح الله يفارقنى؟!) سأورد لك الأمر بطريقة أسهل.. فبدلا من عبارة (روح الله يفارقك) نقول: أنت الذي تفارق روح الله وفى كلا الحالتين حدثت مفارقة، انفصال، بعد بينك وبين روح الله..

إن القديس بولس الرسول يتكلم كلاما صعبا جدا، وبخاصة من جهة خطية الزنا.

يقول ألستم تعلمون أن أجسادكم هى أعضاء المسيح0 أفآخذ أعضاء المسيح، وأجعلها زانية؟! حاشا) (1كو 6: 15) إذن الإنسان في هذه الخطية يدنس هيكل الله. وهكذا يقول الرسول

(أما تعلمون أنكم هيكل الله، وروح الله يسكن فيكم! إن كان أحد يفسد هيكل الله، فسيفسده الله، لأن هيكل الله مقدس، الذي أنتم هو) (1كو 3: 16، 17).

إذن حينما تقول (أخطأت) حلل هذه العبارة، لتعرف ماذا تحوى داخلها..

أتراها تحمل كل ما ذكرناه من خطايا، أم تراها تحمل أكثر وأكثر، وبخاصة ما تحويه من تفاصيل بشعة.. والإضافة إلى هذا، فإن الخطية تدل على معنى آخر:

الخطية هى استهانة بالبنوة لله.
فإن كنت حقا إبنا لله، وعلى صورته ومثاله، فإنك لا يمكن أن تخطئ. كما يقول القديس يوحنا الرسول إن (المولود من الله لا يخطئ، بل لا يستطيع أن يخطئ والشرير لا يمسه) (1يو 3: 9) (1يو 5: 18) ويقول عن الرب (إن علمتم أنه بار هو، فاعلموا أن كل من يفعل البر مولود منه) (1يو 2: 29).

هل الخاطئ – وهو يخطئ – يكون متذكرا أنه إبن الله. وصورة الله؟! أم يكون وقتذاك متنازلا عن هذه البنوة وصفاتها. هذه التي يقول عنها الرسول (بهذا أولا الله ظاهرون، وأولاد ابليس ظاهرون) (1يو 3: 10) لهذا وبخ القديس بولس المخطئين، بأنهم (نغول لا بنون) (عب 12: 8).

الخطية هى أيضا خيانة لله.
لأن الخاطئ أثناء خطيته يكون منضما لأعداء الله ضده، أى لإبليس وجنوده..
بل للأسف يكون قد صار واحدا منهم. كما قال الرب موبخا اليهود (لو كنتم أولاد إبراهيم، لكنتم تعملون أعمال إبراهيم.. أنتم من أب هو إبليس، وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا) (يو 8: 39، 44). ويوحنا المعمدان وبخهم قائلا (يا أولاد الأفاعى) (مت 3: 7) أى أولاد الشيطان.
الخطية هى أيضا صلب للسيد المسيح.
وفى ذلك يقول القديس بولس الرسول (لأن الذين استنيروا مرة، وذاقوا الموهبة السمائية، صاروا شركاء الروح القدس.. وسقطوا، لا يمكن تجديدهم أيضا للتوبة، إذ هم يصلبون لأنفسهم ابن الله ثانية ويشهرونه..) (عب 6: 4 – 6) على الأقل، فإن كل خطاياك لا تغفر إلا إذا حملها المسيح على صليبه. كأنك بخطاياك تضيف ثقلا عل صليب المسيح، وتضيف قطرات مرة في الكأس التي شربها..

وبخطاياك تضع رجاسات على المسيح في صلبه!

فهو الذي حمل خطايا العالم كله ليمحوها بدمه ويكون كفارة عنها (1يو 2: 2، 2) ومن ضمن هذه الخطايا، ما ارتكبته وما ترتكبه من خطايا..

إستمع إذن في خوف إلى القديس بولس الرسول (من خالف ناموس موسى، فعلى شاهدين أو ثلاثة شهود يموت بدون رأفة. فكم عقابا تظنون أنه يحسب مستحقا، من داس ابن الله، وحسب دم العهد الذي قدس به دنسا، وازدرى بروح النعمة)؟! (عب 10: 28، 29)..

تأمل إذن هذه العبارات، لتعرف مقدار بشاعة الخطية:

داس ابن الله.. حسب دم العهد الذي قدس به دنسا.. أزدرى بروح النعمة يصلبون ابن الله ثانية ويشهرونه.. حقا إنها خيانة لله، وخيانة للنعمة التي نلناها في المعمودية، حيث يقول الرسول (لأن جميعكم الذين اعتمدتم للمسيح، قد لبستم المسيح) (غل 3: 27)

هل تظنون أن يهوذا وحده هو الذي خان المسيح؟!

كلا، بل أن كل من يخطئ، يخون المسيح. يخون معموديته وميرونه، ويخزن الدم الكريم الذي طهرنا من كل خطية (1يو 1: 7).

3- الخطية من جهة الإنسان
الخطية أيضا هى فقدان للصورة الإلهية.
خلقنا الله على صورته ومثاله. وفقدنا هذه الصورة بسقوط أبوينا الأولين. ثم اعيدت إلينا في نعم العهد الجديد. ولكننا نعود فنفقدها كلما أخطأنا. فالخاطئ لا يمكن أن يكون على صورة الله، لأن الله قدوس..
والخطية هى كذلك حرمان من الله.
أنت غصن في الكرمة، طالما أنت ثابت فيها، تجرى فيك عصارة الكرمة، فتحيا وتثمر. والله ينقيك لتأتى بثمر أكثر. أما الغصن الذي ينفصل عن الكرمة بحياته في الخطية، فإنه يقطع ويجف ويلقى في النار (يو 15: 1 – 6)

وفى حالة الخطية تتعرض لتلك العبارة المخيفة التي قالها السيد الرب لفاعلى الإثم (إنى لا أعرفكم قط، اذهبوا عنى) (مت 7: 23) والعجيب أنه قال هذه العبارة لأشخاص قالوا (يارب، أليس تنبأنا، وباسمك أخرجنا شياطين، وباسم صنعنا قوات كثيرة)..!

أمر مؤلم، أن يتبرأ الرب من معرفتنا!!

نفس العبارة قالها للعذارى الجاهلات (الحق أقول لكن إنى لا أعرفكن) (مت 25: 12) وأغلق الباب، وبقيت هؤلاء خارجا، منفصلات عن القديسات اللائى حضرن العرس..

الخطية فساد للطبيعة البشرية.
تصورا حالة آدم وحواء قبل السقوط، البراءة العجيبة، والبساطة والنقاوة.. ولكن الخطية غيرت القلب، وغيرت النظرة (رأت المرأة أن الشجرة جيدة للأكل، وأنها بهجة للعيون، وأن الشجرة شهية للنظر) (تك 3: 6) وكانت أمامها الشجرة من قبل، ولكن لم تكن تنظر إليها هكذا.. الخطية غيرت النظرة، وأوجدت الشهوة ففسدت الطبيعة..

دخل الإنسان في ثنائية الخير والشر، والحلال والحرام، وفقد بساطته، وعرف شهوة الجسد وشهوة العين وتعظم المعيشة (1يو 2: 16) وأصبح (الجسد يشتهى ضد الروح والروح تشتهى ضد الجسد، ويقاوم أحدهما الآخر) (غل 5: 7).

صدقنى، حتى ملامح الوجه تتغير بالخطية.
نوع النظرة، والإبتسامة، ولهجة الصوت، وشكل الإنسان جملة يتغير.. حتى أن الرسول ينصحنا فيقول (تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم) (رو 12: 2) فإن عاش صديق لك في الخطية، ورأيته بعد مدة، تكاد تقول: ليس هذا هو الإنسان الذي كنت أعرفه من قبل. الآن كل شئ فيه قد تغير.. حتى ملامحه!!

الخطية هى هزيمة وسقوط وضعف.
مهما ظن الخاطئ أنه نال من العالم شيئا. إن شاول الملك لم يكن قويا وهو يطارد داود من برية إلى برية. بل كان مهزوما من ذاته ومن غيرته. وأخيرا أحس بهزيمته، فرفع صوته وبكى. وقال لداود (أنت أبر منى، لأنك جازيتنى خيرا، وأنا جازيتك شرا) (1صم 24: 16، 17)

الإنسان الخاطئ إنسان ضعيف، لم يستطع أن يقاوم الخطية. فغلبه الشر، وغلبته شهوته فسقط وانهزم أمامها. وأصبح غير مستحق لوعود الله للغالبين، كما ذكرها الرب في رسالته للكنائس السبع (رؤ 2: 3) إنه إنسان مهزوم، ليس فقط من الخطية التي تحاربه من الخارج، بل بالأكثر من الخطية التي تسكن في أعماقه.

أخيرا، الخطية هى موت.
لست أجد في وصفها أروع من قول الرب لراعى كنيسة ساردس (إن لك إسما أنك حى، وأنت ميت) (رؤ 3: 1) وهكذا قال الآب عن توبة إبنه الضال (إبنى هذا كان ميتا فعاش، وكان ضالا فوجد) (لو 15: 24).

مصادر وانواع القوة

 القوة

1- القوة صفة من صفات الله
 2- مصادر القوة
 3- قوة الروح
 4- قوة النفس
 5- قوة الأعصاب
 6- قوة المحبة
 7- قوة الشخصية
 8- قوة الإرادة
 9- قوة الصلاة والإيمان

1- القوة صفة من صفات الله
طبعا القوة صفة محبوبة. وكل إنسان يحب أن يكون قويا. والمفروض في أولاد الله أنهم أقوياء.
ولكى نتحدث عن مفهوم القوة، نذكر النقط الآتية، التي نبدأها بأن القوة هي صفحة من صفات الله:
فى الثلاث تقديسات نقول (قدوس الله القوى..) وفى تسبحة البصخة نقول (لك القوة والمجد) ونحن نختم الصلاة الربية بقولنا (لأن لك الملك والقوة والمجد) (مت 6: 12) وحينما تحدث الوحى الإلهى عن روح الله، قال (روح المشورة والقوة) (أش 11: 2) وعملية الخلق، وإقامة الموتى، وكل المعجزات دليل على قوة الله..

ومادام الله قويا، ونحن قد خلقنا على صورة الله، وعلى شبهه ومثاله (تك 1: 27) إذن المفروض فينا أن نكون أقوياء. وهذا ينقلنا إلى النقطة الثانية وهى:

2- الله قوى، وهو أيضا مصدر كل قوة حقيقية:
ولذلك نردد في تسبحة البصخة قول المرتل في المزمور (قوتى وتسبحتى هو الرب، وقد صار لى خلاصا) (مز 118: 14) ويقول المزمور أيضا (أحبك يا الله قوتى) وفى ترجمات أخرى (أحبك يا الله يا قوتى) (مز 18: 1) ولهذا يقول الوحى الإلهى في سفر زكريا النبى (لا بالقدرة ولا بالقوة، بل بروحى قال رب الجنود) (زك 4: 6) لهذا كله قال الكتاب (اختار الله ضعفاء العالم ليخزى بهم الأقوياء) . (1كو 1: 27) فلماذا؟ قال القديس بولس (ليكون فضل القوة لله لا منا) (2كو 4: 7) ولكى يكون الله مصدر قوتنا، ما أجمل أن نقول مع بولس الرسول: (أستطيع كل شئ في المسيح الذي يقوينى) (فى 4: 13).

نعم، نحن نريد أن نكون أقوياء، ولكن ليكن الله هو مصدر قوتنا. هو الذي يقوينا. لا نعتمد على قوتنا الخاصة، بل على قوته هو. نقف أمامه كضعفاء، لنأخذ القوة منه. أتذكر أننى كتبت مرة في مذكرتى:

(قال الشيطان لله: اترك لى الأقوياء فإننى كفيل بهم. أما الذين يشعرون بضعفهم، فإنهم يلجأون إليك، ويحاربوننى بالقوة التي يأخذونها منك، فلا أقدر عليهم)..

2- مصادر القوة
طبعا المصدر الرئيسي هو الله وحده. وهكذا قال الرب لتلاميذه (ولكنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم) (أع 1: 8) وقال بولس الرسول (أستطيع كل شئ في المسيح الذي يقوينى) (فى 4: 13).

كل الأسباب التي يذكرها البعض: من جهة قوة الشخصية، وقوة الفكر، وقوة النفس، وقوة الإرادة، وقوة الروح.. كلها من غير الله لا تأتى بنتيجة. لأن السيد الرب قد قال:

(بدونى لا تقدرون أن تفعلوا شيئا) (يو 15: 5)

ولكن إذا دخلت قوة الله في حياتك، ستظهر إذن في كل تلك الأمور.. أطلب إذن القوة من الله، لكى تغنى بتلك التسبحة الجميلة:

(قوتى وتسبحتى هو الرب. وقد صار لى خلاصا) (مز 118)

لهذا قد يستغرب البعض عندما يسمعون الرب يسوع يقول لتلاميذه (من يؤمن بى فلأعمال التي أنا أعملها، يعملها هو، ويعمل أعظم منها) (يو 14: 13)!! ولكن هناك فارق هام جوهرى وهو السيد المسيح يعمل المعجزات بقوته الذاتية.

أما المؤمنون فيعملون المعجزات بقوته هو.

وقد تكون المعجزة عظيمة جدا ولكنها ليست بقوتهم هم، إنما بقوة الرب العامل فيهم، هذا الذي قال لهم (بدونى لا تقدرون أن تعملوا شيئا) (يو 15: 5)

المفروض أن يكون أولاد الله الأقوياء، ولكن على شرط أن يكون مصدر قوتهم هو الله نفسه. ولا يكونون أقوياء يعتمدون على قوتهم الخاصة أو يفتخرون بها..

هذا شرط أساسى في قوة أولاد الله.
انظروا إلى داود: كان بلا شك أضعف من جليات الجبار المفتخر بقوته . كما كان ينسب كل القوة لله، إذ قال لذلك الجبار (أنت تأتى إلى بسيف ورمح وبترس، وأنا آتى إليك باسم رب الجنود.. اليوم يحسبك الرب في يدى.. لأن الحرب للرب، وهو يدفعكم ليدنا) (1صم 17: 45 – 47) وهكذا انتصر داود على جليات. لأن جليات كان يحارب بقوته البشرية. أما داود فكان يحارب بقوة الله.

كذلك فإن الروحيين، في أعمالم، ينسبون القوة إلى الله.
إن القديس بطرس ويوحنا، لما أقاما الأعرج عند باب الجميل، التف الناس حولهم مذهولين من المعجزة، قال القديسان للشعب (ما بالكم تتعجبون من هذا؟! ولماذا تشخصون إلينا كأننا أو بتقوانا قد جعلنا هذا يمشى؟!) (أع 3: 12) ثم وجها أنظار الناس إلى السيد المسيح الذي صلبوه (وبالإيمان باسمه، شدد إسمه هذا الذي تنظرونه.. وأعطاه الصحة أمام جميعكم) (أع 3: 16)

الله قوته غير محدودة. والبشر أقوياء بالله.
وهناك فصل من رسالة القديس بولس الرسول نتلوه سيامة الرهبان، نقول لهم فيه (أخيرا يا أخوتى، تقووا في الرب، وفى شدة قوته. البسوا سلاح الله الكامل، لكى تقدروا أن تثبتوا ضد مكايد إبليس) (أف 6: 10، 11) وكأننا نقول لهم أنكم مقدمين على حرب مع الشيطان وجنوده تحتاج إلى قوة. وهذه القوة لابد أن تكون القوة الإلهية التي تقويكم.

ما هى إذن عناصر القوة التي يجب أن تتصفوا بها؟

3- قوة الروح
يظن بعض الشباب أن القوة تعنى القوة الجسدية، التي يظهر بها أبطال الملاكمة والمصارعة والكاراتيه. قوة من نوع قوة شمشون الجبار (قض 13: 16).

· ولكن ليست القوة الجسدية هى كل شئ.
بل أن كثيرين من الأقوياء بالجسد، كانوا ضعفاء.
إن شمشون الجبار الذي أنتصر بالجسد على كثيرين، كان ضعيفا أمام إغراء دليلة وحبه لها. وقد ضعف أمام إلحاحها، فكشف لها سره، فحلقت شعره، وسلمته لأيدى أعدائه، ففقأوا عينيه، وأوثقوه بسلاسل، وجعلوه يطحن في بيت السجن (قض 16: 19 – 21).

وداود الذي هزم جليات الجبار (1صم 17) وكان منذ صباه (جبار بأس ورجل حرب) (1صم 16: 18) هذا الجبار كان ضعيفا أمام جمال بثشبع، فسقط وأخطأ واستحق أن يعاقبه الرب، وقد جعل أعداء الرب يشمتون (2صم 12: 7 – 14)

هنا نقرأ ما قال القديس يوحنا الحبيب للشباب في رسالته الأولى: (كتبت إليكم أيها الشباب (الأحداث) لأنكم أقوياء، وكلمة الله ثابتة فيكم. وقد غلبتم الشرير) (1يو 2: 14)

هنا نوع آخر من القوة وهو أن تغلب الشرير (أى الشيطان).

 · إذن القوى هو الذي يغلب الخطية.

ويغلبها لأن كلمة الله ثابتة فيه. لأن وصية الله ثابتة في قلبه . أما الإنسان المغلوب من الخطية، فلا نستطيع أن نقول عنه إنه قوى. توجد نقطة ضعف فيه، يستطيع الشيطان أن يدخل منها ويهزمه..

الروح القوية تنتصر على الجسد، وعلى المادة والشيطان.
مهما تعرضت لحروب روحية قوية، تقاوم حتى الدم (عب 12: 14) وتجاهد وتطلب معونة من الله، ولا تستلم مطلقا، حتى تنتصر، كما فعل يوسف الصديق (تك 39).

الروح القوية لا تسمح لنفسها أن تستعبد لعادة من العادات. ولا تقبل أن تنهزم مهما كانت الحرب عنيفة.. ومهما كانت كان خداع الشيطان، ومهما كانت حيله.. إنها أقوى من إغرائه ومن كل خدعه وحيله.

كذلك المغلوب من إحدى العادات، هو إنسان ضعيف..

المغلوب مثلا من عادة التدخين، أو من المسكرات، أو الواقع تحت سلطان إدمان المخدرات، ليس هو قويا، لأنه ضعيف أمام كل هذه العادات. وهو أمامها لا يمكن أن يملكك السلطان على إرادته. بل العادة أو الإدمان لهما السلطان على إرادته وتصرفاته، وقد يقودانه إلى الجريمة.

4- قوة النفس
النفس القوية لا تقلق، ولا تضطرب، ولا تخاف، ولا تنهار، ولا تتردد..
إنها كالجنادل في النهر، تصدمها المياه والأمواج، على مدى السنين والقرون، وهى ثابتة في مكانها. وكالجبال تصدمها الرياح والأمطار والسيول، دون أن تتأثر هكذا الإنسان القوى في نفسيته: يقول مع داود النبى (إن يحاربنى جيش، فلن يخاف قلبى، وإن قام على قتال، ففى ذلك أنا مطمئن) (مز 27: 1).

الإنسان القوى هو إنسان صامد، أمام المشاكل العويصة، وأمام التهديدات. هو قوى من الداخل، مهما كان الضغط من الخارج.

أما الضعيف، فإنه يتخيل مخاوف، وينزعج بسببها.

وربما لا يكون لها وجود! ولكنه بسبب خوفه الداخلى، يتوقع أن تأتيه المتاعب فيتعب بدون سبب!

الإنسان القوى لا يضع أمامه احتمال الفشل أو الإنهزام. كما قال القديس بولس الرسول

(إن الله لم يعطنا روح الفشل، بل روح الفشل، بل روح القوة) (2تى 1: 7) (لذلك لا نفشل) (2كو 4: 16) مهما كانت المحاربات والمتاعب والضيقات.. كل هذه لا تدخل إلى القلب فتتعبه.

الإنسان القوى يتعامل مع الضيقات وهى خارجه.
أما الضعيف فيدخلها إلى قلبه وأعصابه فتتعبه.
هذه هى قوة النفس التي اتصف بها الناجحون في حياتهم.
الطالب الضعيف يدخل إلى الامتحان. فإن وجد سؤالا صعبا، يعرق ويتصبب ويدوخ، وينسى كل ما كان قد حفظه!! أما الطالب القوى فيفكر في الحل، ويبدأ بالسهل فيتقوى، ويعود إلى الصعب ليحله..

فى الواقع إن المفهوم الحقيقى للقوة، ينبغى أن يتركز على القوة الداخلية.

فقد يبدو البعض قويا من الخارج، بينما هو ضائع تماما من الداخل. قد يسمع كلمة إهانة، فيقول من الخارج (الله يسامحك).. بينما في الداخل يتقد غضبا وحقدا.. إن تحويل الخد الآخر (مت 5: 39) كما قال أحد القديسين – هو الخد الداخلى، أعنى الأحتمال في الداخل، والمسامحة الداخلية، ولوم النفس.

أيضا القوة الداخلية هى الانتصار على النفس من الداخل.

فليس القوى هو الذي ينتصر على الآخرين، إنما هو الذي ينتصر على نفسه.

وكما قال أحد القديسين: إن القوة الغضبية قد وضعت في الإنسان، لا لكى يغضب على الآخرين، إنما لكى يغضب على نفسه إذا أخطأ.

وحسنا قيل في المزمور (كل مجد إبنة الملك من داخل) (مز 45) فإذا انتصرت على نفسك من الداخل، يمكنك أن تنتصر على كل الأمور الخارجية.. حينئذ يمكنك أن تغلب كل الأعداء الخارجيين. وصدق القديس يوحنا ذهبى الفم حينما قال (لا يستطيع أحد أن يؤذى إنسانا،، ما لم يؤذ هذا الإنسان نفسه).

 · إذن من عناصر القوة ضبط النفس.

الذى يضبط لسانه هو إنسان قوى، حسب شهادة القديس يعقوب الرسول (يع 3: 2).

وما أكثر الأشخاص الذين نقطة الضعف فيهم هى أخطاء اللسان. ويدفعوا ثمن ذلك غاليا.

كذلك الإنسان القوى هو الذي يستطيع أن يضبط أفكاره. فلا تهزمه الأفكار وتسرح به حيثما تشاء، وتوقعه في خطايا كثيرة.

والإنسان القوى هو الذي يضبط نفسه وقت الغضب. ويضبط نفسه وقت الصوم، من جهة الطعام والشراب. ويضبط نفسه من جهة الوقت، فلا يضيعه في المتعة واللهو، ويفشل في مسئولياته..

5- قوة الأعصاب
 ·هناك لونان آخر من القوة، هو قوة الأعصاب.
الإنسان الضعيف الأعصاب: أقل كلمة تثيره وتهيجه، وتجعله يفقد هدوءه، ويفقد سيطرته على نفسه، ويخطئ في تصرفاته وفى ألفاظه، ويكون موضوع نقد من الآخرين.. لأن أعصابه ضعيفة لم تحتمل، مهما كان قويا في نواح أخرى.

حقا إن الأعصاب مسألة جسدية، ولكن العامل النفسانى يؤثر عليها. فالإنسان الواقع في خطية الغضب، تجد أن أعصابه تلتهب بسرعة، كذلك الإنسان الواقع في محبة الذات، وفى الكرامة الشخصية: أقل كلمة تلمس كرامته، أو يظن أنها تلمس كرامته، تتعب أعصابه لا تستطيع أن تحتمل.

مسألة الأعصاب هى نقطة ضعف فيه.
لذلك قال الرسول: يجب علينا نحن الأقوياء أن نحتمل ضعفات الضعفاء (رو 15: 1) . فالذى يعتدى على غيره هو الشخص الضعيف، بينما الذي يحتمل القوى. هو الجبل الراسخ الذي تثيره أخطاء غيره ضده.

هذا الجبل مهما ألقى أحد عليه طوباً، يبقى راسخا لا يتزعزع.

أما الذي يثور ويحاول أن ينتقم ويسئ إلى غيره، هو إنسان مغلوب من ذاته، وليس مغلوبا من غيره. أقل كلمة تتعبه وتفقده هدوءه وتتلف أعصابه.

أما القوى، فهو قوى في أعصابه، وقوى في احتماله.

إذن الذي يحتمل هو القوى. والذى يهين غيره هو الضعيف.

ليتك إذن تمتحن نفسك، وترى ما هى ضعفاتك، وتبذل كل جهدك في الإنتصار عليها.. إن القوى ليس هو الشخص الذي ينتصر على غيره، إنما هو الذي يستطيع إن ينتصر على نفسه. لأن البعض يظن أنه منتصر وقوى من الخارج. بينما هو في داخله ضعيف ومهزوم.

ليس فقط يحتمل إساءات الناس، إنما أيضا يحتمل الأحداث والمشاكل.

يحتمل المتاعب التي تتعب غيره. يحتمل الأمراض والضيقات والحوادث.

لقد كان السيد المسيح قويا في احتماله. كان قويا في احتماله التحدى وهو على الصليب، وقولهم له (إن كنت ابن الله انزل من على الصليب) وهكذا نقول له في القداس الإلهى: (احتملت ظلم الأشرار)

إن الاعتداء سهل. يمكن لأى إنسان ضعيف النفسية أو ضعيف الخلق أن يعتدى على غيره. أما القوى فهو الذي يحتمل.

فى الحياة الزوجية: إن كان الطرفان ضعيفين لا يحتملان، قد يخرب البيت! أما إذا كان أحدهما على الأقل قويا، يمكنه أن يحتمل الطرف الآخر، حينئذ يمكن أن يستمر السلام بينهما..

قد يوجد إنسان ضعيف، لا يحتمل. ممكن أن خبرا معينا يجعله ينهار: يؤثر على أعصابه، وعلى نفسيته، على أفكاره. صحته لا تحتمل، يرتفع ضغط دمه، أو قلبه لا يحتمل. وربما يقع على الأرض لم تكن له القوة التي يحتمل بها ذلك الخبر!!

6- قوة المحبة
يقول الكتاب (المحبة قوية كالموت.. مياه كثيرة لا تستطيع أن تطفئ المحبة والسيول لا تغمرها) (نش 8: 6، 7).

المحبة قوية من الناحية الإيجابية، فيما تقدمه من بذل وعطاء، وتصل إلى بذل الذات من أجل من تحبه..

وهى قوية – من الناحية السلبية – في احتمالها لأخطاء من تحبه، مهما فعل ولذلك قال عنها الرسول (المحبة لا تسقط أبدا) (1كو 3: 8)

أما الإنسان الذي يفقد محبته لصديق أو حبيب، بسبب كلمة قيلت أو تصرف مخطئ، فقد تكون محبته ضعيفة.

المحبة استطاعت أن تصعد على الصليب، لكى تخلص وتفدى.

المحبة القوية احتملت إنكار بطرس، وشك توما، وهروب التلاميذ وقت القبض على المعلم الصالح المحبة القوية يمكن أن تشمل الأعداء والمسيئين، وتبارك لاعنيها (مت 5).

7- قوة الشخصية
 ·من أبرز ما يميزها قوة العقل والفكر.
إنسان قوى في ذكائه، في سرعة البديهة، في قوة الإقناع، في روعة الفهم والاستنتاج. له قوة الأسلوب، وقوة الذاكرة.. لذلك إذا دخل في أى موضوع، يسنده بالفكر القوى، الذي يمكن أن يجذب الآخرين فيخضعون لمنطقه.

لا يسير وراء كل شائعة، ولا وراء كل مذهب. بل يفكر ويفحص الأمور جيدا، في ذكاء ويتمسك بما هو أفضل.. وبذكائه وفهمه، يكون ناجحا في كل مسئولية تعهد إليه. ويقف قويا أمام المشكلة، لا تهزمه، بل يحلها، أو يحتملها إلى أن تحل.

أما الذي ينهار أمام المشاكل، فليس هو قويا.

 ·الشخصية القوية التي لا تنقاد إلى مشورة خاطئة. هى التي تؤثر في غيره، دون أن تكون تحت تأثير الغير، إلا مشورة الروحيين.. وليس معنى القوة في الشخصية أن يكون الإنسان عنيدا صلب الرأى، بل أن يكون قويا في الخير. سهلا في التفاهم، ولكن ليس ألعوبة في أيدى الغير.

هناك أشخاص لهم القوة التي تؤثر في الغير. وهؤلاء هم الذين يصلحون للخدمة وللقيادة. بعكس الإنسان الضعيف في تفكيره، فإنه مهما كان قويا في جسده، أو عظيما في مركزه، يمكن أن يقوده شخص آخر إلى جواره، يكون أذكى منه وأعمق فكرا..

قد تحدث مشكلة لإنسان، ويرفض كل نصيحة، ومهما قيل له لا يقتنع .. إلى أن يحدثه شخص آخر، فيؤثر عليه. ويستمع لنصيحته. كلماته قوية وفعالة، ولها تأثيرها، ولا ترجع فارغة..

قوة التأثير هذه تنفع في الإرشاد الروحى وخدمة الكلمة وجذب الآخرين.
بل تنفع أيضا في محيط الصداقة، وفى مجال العمل الإجتماعى، ولكل من يتولى إرادة وقيادة. وتنفع أيضا الكاتب والصحفى. إذ تكون للشخصية قوة وجاذبية وتأثير.

 ·هناك إنسان آخر قوى في خدمته وكرازته.

له قوة الكلمة، وقوة التأثير على الغير، ويستطيع أن يجذب النفوس إلى الله..

وكلمته لا ترجع فارغة (أش 55: 11) بل باستمرار تأتى بثمر. من أمثلة هذا النوع، كان القديس بولس الرسول، ومارمرقس، والقديس أثناسيوس الرسولى الذي وقف ضد الأريوسيين، ونشر الإيمان السليم.. وكذلك كل أب كاهن روحى عميق في تأثيره الروحى، وكل واعظ وخادم ناجح في خدمته.

ونريد أن نقول إن الوداعة لا تتعارض مع القوة.

فقد كان السيد المسيح قويا ووديعا في نفس الوقت.

كان (لا يخاصم ولا يصيح) وفى نفس الوقت كانت له قوة الإقناع وقوة الشخصية. وكان يفحم مقاوميه في كل حوار.

8- قوة الإرادة
من مظاهر القوة أن تكونت للشخص قوة إرادة، قوة عزيمة. يستطيع إن أراد، أن ينفذ.. فإذا دخل في تدريب مثلا: يمكنه إذ بدأ، أن يستمر وينفذ. أمال الإنسان الضعيف، فقد يريد ولا يستطيع. وقد يبدأ ولا يستمر.

ومن مظاهر الإرادة، ضبط النفس.
فالإنسان القوى يمكنه أن يضبط نفسه، سواء في وقت الغضب، أو رغبة الأنتقام كذلك يضبط نفسه أما الشهوة، وعندما يحارب بأية خطية.. القوى يمكنه أن يضبط لسانه، وأن يضبط حواسه، ويضبط فكره.

إن كان مريضا بالسكر مثلا، يمكنه أن يضبط نفسه من جهة الأطعمة الممنوعة.. وهنا أقول: إن الإنسان الذي لا يستطيع أن يضبط عن الطعام – في مرض أو صوم – كيف يمكنه أن يضبط نفسه أمام أية شهوة أو أية خطية؟!

هناك إنسان قد يكون ضعيفا أمام إغراء معين.

أمام إغراء وظيفى، أو إغراء مالى، أو إغراء شهوانى .. لا يستطيع أن يحتمل. يغلبه ضعفه، أو تغلبه شهوته، فيسقط.. وقد يرتد!!

آخرون يضعفون أمام المجد الباطل، أمام كلمات المديح والإطراء.

أما الشهداء والمعترفون فكانوا في منتهى القوة أمام كل الإغراءات.

9- قوة الصلاة وقوة الإيمان
 ·نوع آخر من القوة، هو قوة الصلاة..
الصلاة القوية في إيمانها، وفى حرارتها، وفى انسحاقها وفى روحياتها، التي يمكن أن تصعد إلى السماء وتأتى بالاستجابة.

كثيرون يشعرون بقوة الشخص الذي له مثل هذه الصلاة، ويلجأون إليه في مشاكلهم لكى يحلها الله لهم على يديه..

صلاة الآباء الرسل كانت قوية جدا، لدرجة أنه قيل عنهم (ولما وصلوا، تزعزع المكان الذي كانوا مجتمعين فيه، وامتلأ الجميع من الروح القدس) (أع 4: 31) إنها الصلاة القوية التي تصعد إلى فوق، وتستطيع أن تدخل إلى عرش الله، وتأخذ منه ما تريد..

أترى هل لك مثل هذه الصلاة، التي قد يلجأ إليها الآخرون .. يمكنك أن تقرأ عن مثل هذه الصلاة في سير القديسين، الذين ائتمنوا على مخازن الله، فكانوا يأخذون منها بصلواتهم ويمنحون الناس الصلاة القوية، صلاة حارة، مملوءة بالإيمان.

إن الإيمان القوى يمنح الصلاة قوة.

وقوة الصلاة مع قوة الإيمان، تعملان معا.

بقوة الإيمان مشى بطرس على الماء. ولما ضعف إيمانه بدأ يغرق. فأنقذه الرب ووبخه قائلا:

(يا قليل الإيمان، لماذا شككت؟) (مت 14: 31)

الإيمان القوى يستطيع أن يصنع المعجزات. يكفى قول الكتاب:

(كل شئ مستطاع للمؤمن) (مر 9: 23)

أليشع ذهب مع المرأة الشونمية، وهو واثق أنه سيقيم ابنها (2مل 4: 35) وهكذا فعل إيليا مع أرملة صرفة صيدا وأقام ابنها (1مل 17: 22)

الإيمان القوى يؤمن أن الرب سيأتى، ولو في الهزيع الرابع من الليل. ولابد سيعمل عملا.. إنه يؤمن أن لعازر سيقوم، ولو بعد أربعة أيام من دفنه.

إنه إيمان لا يتزعزع مهما (تأخر) الله عليه، أو خيل إليه أن صلواته لم تستجب. إيمان لا يشك في محبة الله، معهما أحاطت به الضيقات واستمرت، ومهما (على ظهره جلده الخطاة وأطالوا إثمهم) (مز 129).

قوة الإيمان ليست فقط من جهة الثقة بعمل الله.

بل تظهر قوة الإيمان في مواجهة الهراطقة.

مثل قوة إيمان القديس أثناسيوس الذي وقف ضد أفكار الأريوسيين، وكل ما قدموه من شكوك. ولكن الإيمان الذي كان في قلبه، كان أقوى من كل شكوكهم..

بعكس الإيمان الضعيف الذي يصمد أمام الشك، ولا يصمد أمام البدع والهرطقات.

LinkWithin

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...