مفهوم الوداعة

 مفهوم الوداعة
1- أهمية الوداعة
2- ما هي الوداعة
3- فقد الوداعة
4- الوداعة والشجاعة
5- ملاحظات

1- أهمية الوداعة
من أبرز الآيات عن أهمية الوداعة قول السيد المسيح له المجد (تعلموا منى لأنى وديع ومتواضع القلب، فتجدوا راحة لنفوسكم) (مت 11: 29) كل الكمالات موجودة فيه، ولكنه ركز على الوداعة أولا. وجعلها سببا لراحة النفس.

والقديس بولس الرسول وضع الوداعة ضمن ثمار الروح (غل 5: 23).

ويقول القديس يعقوب الرسول (من هو حكيم وعالم بينكم، فلير أعماله بالتصرف الحسن في وداعة الحكمة) (يع 3: 13).

وحينما ذكر الرب التطوبيات، جعل الوداعة في أوئلها. فقال:
(طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض) (مت 5: 5)

ويوجد تطويب كثير للوداعة في سفر المزامير، إذ يقول (يسمع الودعاء في الحق).

(مز 25: 9) وعندما تكلم القديس بطرس الرسول عن زينة النساء، قال (زينة الوديع الهادئ الذي هو قدام الله كثير الثمن (1بط 3: 4)
إن كانت الوداعة بهذا المقدار، يقف أمامنا سؤال مهم:
ما هى الوداعة إذن؟ وما هى صفات الوديع؟

2- ما هي الوداعة؟
الإنسان الوديع هو إنسان هادئ طيب، ومسالم، وبشوش..
هو إنسان هادئ، لا يغضب ولا يثور، ولا ينفعل بسرعة. لا يحتد في كلامه، بل الصوت المنخفض الخفيف.. هو بعيد عن النرفزة أعصابه هادئة..

قيل عن السيد المسيح في وداعته، إنه (لا يخاصم ولا يصيح، ولا يسمع أحد في الشوارع صوته قصبة مرضوضة لا يقصف، وفتيلة مدخنة لا يطفئ) (مت 12: 19، 20)، (أش 42: 2، 3).

هدوء الوديع، هدوء من الداخل ومن الخارج. يملك السلام على قلبه في الداخل، فلا يقلق ولا يضطرب. ومن الخارج هو مسالم لجميع. لا يهاجم أحدا، ولا يجرح شعور أحد. هو بعيد عن العنف. حتى إذا هوجم، لا ينتقم لنفسه.

إنه لا يتدخل في شئون الناس، ولا يقيم لنفسه رقيبا على أعمالهم، وبالتالى لا يدين أحدا. وإن تدخل في إصلاح غيره، يكون ذلك في هدوء، حسبما قال الرسول (أيها الأخوة، إن إنسيق إنسان فأخذ في زلة، فاصلحوا أنتم الروحانيين مثل هذا بروح الوداعة، ناظرا إلى نفسك لئلا تجرب أنت أيضا) (غل 6: 1)

يصلحه بالأقناع بالهدوء، وبالإتضاع ناظرا إلى نفسه لئلا يجرب هو أيضا..

الإنسان الوديع يحتمل الآخرين، بطول الروح.
بطول بال. يضع أمامه قول الكتاب (الجواب اللين يصرف الغضب) (أم 15: 1) هو على صورة الله الذي يحتمل الخطاة، ويطيل أنته عليهم.

الإنسان الوديع بعيد عن التذمر سواء في علاقته مع الله أو الناس. بل بلعكس يكون على الدوام بشوشا مبتسما.

والوديع غالبا ما يكون خجولا.
يتميز بشئ من الحياء. بل كما قال أحد الآباء (لا يملأ عينيه من وجه إنسان) لا يفحص ملامح الناس، ولا يغوص في أعماقهم، ليعرف ما في داخلهم.

لا يحلل الناس ومشاعرهم. إنما نظراته بسيطة. هو إنسان حيى. لا يفارقه حياؤه.

الوديع شخص سهل التعامل.
بسيط، ليس عنده دهاء ولا مكر ولا خبث. واضح في تعامله، يبطن غير ما يظهر، ولا يعقد الأمور. يتعامل في وضوح، بلا لف ولا دوران، ولا يدبر خططا. يمكنك أن تستريح إليه، لأنه واضح، صريح، ومريح..

إنه رقيق، لطيف، حلو الطبع.
لذلك تجده محبوبا من الكل. لأنه إنسان طيب. حتى لو ظلمه البعض، تجد الكثيرين يدافعون عنه ويقولون لمن ظلمه (ألم تجد سوى هذا الإنسان الطيب، لكى تظلمه؟!) حتى الذي ظلمه، يأتى إليه بعد حين ويعتذر له.. والكل يدافع عنه، لأنه لا يؤذى أحدا. ولأجل محبة الناس للوداعة، يقول الرب طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض) (مت 5: 5) هذا بالأضافة إلى السماء.. ونعمة الله باستمرار تكون عليه.

والإنسان الوديع، إنسان (مهاود).

يميل إلى إراحة الناس، وعدم العناد معهم. لا يكثر من الجدل والنقاش. والملاججة والتحقيق. إنما الخير الذي يستطيع أن يعمله، يعمله بهدوء وسرعة وبدون تأجيل مناقشة. إنه لا يتشبث برأيه في كل شئ، كما يفعل البعض. إنما يمرر الأمور مادامت لا تكسر وصية. ولذلك فإنه لا يتحزب، إنما يحب الكل..

3- فَقْد الوداعة
الإنسان الوديع يحتفظ بوداعته باستمرار.
لا يفقد وداعته إن نال مركزا كبيرا، أو تمتع بسلطة. فمهما كان مركزه عاليا، تستمر وداعته كما هى. ولا يرتفع قلبه في أمر ونهى.
والوديع أيضا لا يفقد وداعته بسبب اصلاح الآخرين. فإن كان في وضع يسمح بهذا، لا يصلح الناس بالعنف أو بالشدة، أو بحدة الصوت أو حدة التصرف.

إنه لا يفقد وداعته أيضا، إن دافع عن الحق.. إنما يدافع عنه في هدوء، دون أن يجرح شعور أحد.. كذلك إن تكلم بصراحة، لا تكون صراحته جارحة. وإنما يعبر عما يريد قوله بأسلوب رقيق. وفى هذه المناسبة نذكر أسلوب السيد المسيح مع المرأة السامرية. كشف لها كل شئ، بغير أن يخدش حياءها، أو يجرح شعورها (يو4).
والوديع الحقيقى لا يفقد وداعته بحجة الحزم أو الشجاعة، أو بالفهم الخاطئ للقوة وللكرامة الشخصية.
ولا يحتج أحد بفقد الوداعة بحجة أنه مولود النارى. فموسى الأسود كان من هذا النوع، ولكنه اكتسب الوداعة بحياة التوبة، على الرغم من أنه بدأ حياته شديدا. ولكنه درب نفسه حتى تحول إلى إنسان طيب القلب جدا.

4- الوداعة والشجاعة
البعض يخطئ في فهم الوداعة، فيتصور الوديع كشخصية خاملة، بلا تأثير ولا فاعلية ويظن الوداعة رخاوة في الطبع!!

كأن يتحول الوديع – بسبب طبيعته – إلى أضحوكة وسط الناس، يلهون به ويدوسون على كرامته. أو أنه بسبب احتماله للآخرين وعدم تذمره، يصبح مهزأة. أو أيضا بسبب عدم إدانته للناس، لا يفعل شيئا متى رأى الشر مسيطرا على الخير! كلا فليست هذه هى الوداعة.

إنما المفهوم الصحيح للوداعة، لا يمنع مطلقا من أن ترتبط بالرجولة والنخوة والشجاعة والشهامة

فنحن نتحدث عن الوداعة بأسلوب الحقائق! ونقول إن الوديع هو إنسان طيب ومسالم ومهاود، ونتغافل أن يكون ذا شجاعة ونخوة وشهامة..

وأيضا هناك كلمة عميقة قيلت في سفر الجامعة، تنطبق على تصرف الوديع في مختلف المواقف والأحداث، وهى:

(لكل شئ زمان، ولكل أمر تحت السموات وقت..

للسكوت وقت وللتكلم وقت) (جا 3: 1، 7).

فنع أن الطيبة هى الطابع العام في حياة الوديع، إلا أنه للشجاعة في حياته وقت وللشهامة وقت، ولكن في غير عنف.

أمثلة:

 ·السيد المسيح في وداعته وحزمه:

هذا المثل الأعلى الذي قيل عنه (لا يخاصم ولا يصيح ولا يسمع أحد في الشوارع صوته) نراه حازما قويا في تطهيره للهيكل، حينما طرد الباعة، وقال لهم (مكتوب بيتى بيت الصلاة يدعى، وأنتم جعلتموه مغارة لصوص) (مت 12: 12، 13).

وكان قويا وحازما أيضا في توبيخه للكتبة والفريسين) (مت 23)

وكان حازما في شرح شريعة السبت وفعل الخير فيه، على الرغم من كل المعارضة التي لاقاها..

 ·مثال موسى النبى المشهور بحلمه العجيب.

حتى أنه قيل عنه (وكان الرجل موسى حليما جدا أكثر من جميع الناس الذين على وجه الأرض)

(عد 12: 3) موسى هذا الذي نزل من الجليل ومعه لوحا الشريعة، ووجد الشعب يعبد عجلا ذهبيا ويغنى ويرقص.. لم يقف موقفا سلبيا باسم الحلم والوداعة، بل حمى غضبه وطرح لوحى الشريعة من يديه وكسرهما. ثم أخذ العجل الذي صنعوه، وأحرقه بالنار، وطحنه حتى صار ناعما وذاره على وجه الماء (خر 32: 19، 20) وانتهر هرون رئيس هرون رئيس الكهنة، حتى اضطرب بين يديه.

 ·مثال آخر هو داود النبى.

هذا الذي قيل عنه في المزمور (اذكر يارب داود وكل دعته) (مز 132: 1) كان موقفه جريئا وشجاعا، لما رأى جليات يعير صفوف الله الحى، بينما كان كل الجيش واقفا في خوف أمام ذلك الجبار..

أما داود الوديع فقال من هو هذا الأغلف حتى يعير شعب الله؟! وظل يكلم الناس بشأنه، ولم يهمه إستهزاء أخيه الأكبر به. وأخيرا قال لشاول الملك (لا يسقط قلب أحد بسببه) (1صم 17: 32) وذهب وحاربه ولم يخف منه، بل قال له (أنت تأتى إلى بسيف وبرمح وبترس، وأنا آتى باسم رب الجنود.. اليوم يحبسك الرب في يدى.. (1صم 17: 45، 46).

هذا هو داود الشاب الهادئ الأشقر، صاحب المزمار والقيثار، وفى نفس الوقت صاحب الغيرة، ورجل الحرب جبار البأس..

 ·مثال ثالث هو بولس الرسول.

إنه إنسان طيب هادئ، يقول لأهل كورنثوس في توبيخه لهم (أطلب إليكم بوداعة المسيح وحلمه، أنا نفسى بولس الذي هو في الحضرة ذليل بينكم، وأما في الغيبة فمتجاسر عليكم) (2كو 10: 1)

ويقول لشيوخ أفسس (متذكرين أنى ثلاث سنين ليلا ونهارا، لم افتر أن أنذر بدموع كل أحد) (أع 20: 31) إنه رسول، من حقه أن ينذر، ولكنه بوداعة ينذر، ولكنه بوداعة ينذر بدموع.

بولس هذا في الكرازة والتبشير، كان أسدا..
إنه حينما يتكلم عن البر والدينونة والتعفف أمام فيلكس الوالى، يقول الكتاب (ارتعد فيلكس. وقال له إذهب الآن، ومتى حصلت على وقت أستدعيك) (أع 24: 25) ولما وقف أمام اغريباس الملك، قال له الملك (بقليل تقنعنى أن أصير مسيحيا) (أع 26: 28)

وبولس هذا الوديع، لم يمتنع عن توبيخ بطرس الرسول. وقال (لما رأيت أنهم لا يسلكون باستقامة حسب حق الإنجيل، قلت لبطرس قدام الجميع: إن كنت وأنت يهودى تعيش أمميا لا يهوديا، فلماذا تلزم الأمم أن يتهودوا) (غل 2: 14)

 ·مثال رابع هو أليهو بن برخئيل:

كان الرابع بين أصدقاء أيوب. ومن وداعته ظل صامتا بينما كان يتكلم أصحاب أيوب الثلاثة معه على مدى 28 إصحاحا. ولم يفتح أليهو فمه من فرط وداعته، لأنهم كانوا أكبر منه سنا..

وأخيرا لم يستطع أن يصبر هذا الوديع أكثر من هذا، لما رأى أن الجميع قد أخطأوا. وفى ذلك يقول الكتاب (فحمى غضب أليهو بن برخئيل البوزى من عشيرة رام. على أيوب حمى غضبه، لأنه حسب نفسه أبر من الله. وعلى أصحابه الثلاثة حمى غضبه، لأنهم لم يجدوا كلاما واستذنبوا وأيوب.. فقال لهم (أنا صغير في الأيام، وأنتم شيوخ، لأجل ذلك خفت وخشيت أن أبدى لكم رأيى..) (أى 32: 2 _ 7) ثم بدأ رسالته في التوبيخ..

حقا لكل شئ تحت السموات وقت. لسكوت الوديع وقت، ولكلامه وقت. لطيبته وقت، ولحزمه وقت..

5- ملاحظات
1- هل تجد أحد أقربائك على وشك أن يتزوج مطلقة، أو أية إنسانة لم تأخذ تصريحا من الكنيسة، أو زيجة بقرابة خاطئة لا يجوز فيها الزواج.. هى ترى كل هذا، وتسكت باسم الوداعة والهدوء، دون أن تحذر قريبك ليبعد عن الزيجة الخاطئة؟

كلا، ليست هذه وداعة. إنما يجب أن تحذره من الموقف الخاطئ، وتشرح له في هدوء خطأ موقفه.. ولا تكون ضد الوداعة في موقفك، لأنك وضحت الموقف دون أن تشتم أو تجرح أو تخطئ. إنما عبارة القديس يوحنا المعمدان على فمك (لا يحل لك أن تأخذ (هذه) زوجة لك).

2- أو تجد أحد معارفك يريد أن يتزوج إمرأة زواجا عرفيا، وتقف صامتا باسم الوداعة؟! كلا. قل له إن هذا أمر خاطئ لا يباركه الله، يقودك إلى حياة خاطئة. وليس في هذا ضد الوداعة. إننا لا نقول لك لا نقول لك أن تثور وتضج وتملأ الدنيا صياحا بل أن تنذر في هدوء..

3- إن الله يحب الحق، ويحب أن يرى من يدافع عنه، بأسلوب لا يخطئ فيه. وفى ذلك يقول الرب في سفر أرميا النبى (طوفوا في شوارع أورشليم، وفتشوا في ساحاتها، هل تجدون إنسانا أو يوجد عامل بالعدل، طالب الحق، فاصفح عنه) (أر 5: 1).

إذن الدفاع عن الحق فضيلة يطلبها الله. إن سلكت فيها تسلك في الحق ولا يتنافى هذا مع الوداعة ما دام الأسلوب سليما. 

مفهوم الحق والعدل

 مفهوم الحق والعدل



1- هو الصدق
2- خطورة أنصاف الحقائق
3- حقوق الناس
4- الحق ضد الباطل
5- ضياع الحق
6- الحق هو الله

1- هو الصدق
أول مفهوم أنه الصدق Truth:
وكثيرا ما كان السيد المسيح يبدأ كلامه بقوله (الحق أقول لكم) (مت 5: 18) (مت 8: 10).
وأحيانا كان يكرر كلمة الحق،
فيقول (الحق الحق أقول لكم) (يو 5: 19، 24، 25) (يو 8: 34، 51، 58)
وفى المحاكم يقسم الشاهد قائلا:
(أقول الحق، كل الحق، ولا شئ غير الحق)،
ذلك لأن هناك قاعدة هامة وهى:
(أنصاف الحقائق ليست كلها حقائق).

2- خطورة أنصاف الحقائق
أو كما يقال (أنصاف الحقائق ليست إنصافا للحقائق)
فقد تأتى إمرأة تشكو زوجها، وتشرح أنه ضربها أو اهانها.. وتترك النصف الآخر من الحقيقة وهو إغاظتها له بطريقة أثارته، فخرج عن وعيه أو فقد أعصابه، فضربها.. وهكذا تذكر ما حدث لها كأنه تصرف من الزوج، وليس مجرد رد فعل لتصرفها.

أو يذكر إنسان أن الكنيسة قد عاقبته، أو أن إرادة عمله قد فصلته، دون أن يذكر السبب الذي من أجله قد عوقب أو فصل.

المهم أن كلامه لا يعطى صورة حقيقية عما حدث.
لذلك في القضايا يحدث تحقيق. والمقصود به الوصول إلى الحقيقة.
وتتكامل الحقيقة حينما يبحث الأمر من جميع جوانبه. ويسمع الرأى، والرأى الآخر. ويبحث السبب والنتيجة. وأيهما الفعل وأيهما رد الفعل.. أما الذي يسمع من جانب واحد، فلا تتضح له الصورة الحقيقية. ولهذا يلجأ المحقق إلى مواجهة، أى يقف كل جانب في مواجهة الآخر.

فى كل قضية تعرض عليك، يمكنك أن تسأل: لماذا؟

وعلى رأى المثل (إذا عرف السبب، بطل العجب) فإن قال لك شخص مثلا (أب إعترافى منعنى أن أكلم فلانا) فلا تقل في نفسك عجبا، هل أب الإعتراف يدعو إلى الخصام؟!) ربما لو أدركت السبب لعرفت مثلا أن هذا الشخص عثرة له وسبب خطيئة، أو أنه كل مرة يلتقى به يحدثه عن أمور تتعب ضميره، وتسبب له أفكار متعبة.. أو أن يثيره ويغضبه، وخلاصة القول إنه ينطبق عليه عبارة

(المعاشرات الرديئة تفسد الأخلاق الجيدة) (1كو 15: 33) أو تنطبق عليه عبارة (اعزلوا الخبيث من وسطكم) (1كو 5: 13) أو طوبى للرجل الذى.. طريق الخطاة لا يقف. وفى مجلس المستهزئين لا يجلس) (مز 1).

أنصاف الحقائق التي ليست هى حقائق، تنطبق أيضا في اللاهوتيات:

مثال ذلك من يستخدم آية واحدة، ويترك باقى الآيات المتعلقة بالموضوع. والتى بها يتكامل فهم العقيدة. كأن يتكلم إنسان على الإيمان وحده فيقول لك: مكتوب (آمن بالرب يسوع، فتخلص أنت وأهل بيتك) (أع 16: 13) مثل هذا نقول له: ضع إلى جوارها قول الرب (من آمن واعتمد خلص) (مر 16: 16). وأيضا قول القديس بطرس الرسول لليهود الذين في يوم الخمسين (توبوا، وليعتمد كل واحد منكم على إسم يسوع المسيح لغفران الخطايا، فتقبلوا عطية الروح القدس) (أع 2: 38)0

نعم، إن قال لك أحد: مكتوب، قل له (مكتوب أيضا).
فهكذا فعل السيد المسيح في التجربة على الجبل، مقدما الطريقة المثلى للحوار وللرد على الأفكار وهكذا يكون الحق معناه الحقيقة كاملة. فإخفاء شئ منها قد يعطى فهما خاطئا.

3- حقوق الناس
معنى الحق أيضا هو حقوق الإنسان rights:
ومن هنا جاء المثل (اعط لكل ذى حق حقه) ومن هنا جاءت أيضا عبارة (حقوق الإنسان human rights) وهكذا كانت وزارة العدل تسمى قديما (وزارة الحقانية) وكلية القانون تسمى (كلية الحقوق) أى تدرس فيها القوانين الخاصة بحقوق الناس، ما لهم وما عليهم هنا كلمة حق ليست بمعنى صدق. وليس عكسها الكذب أو شهادة الزور، إنما عكسها هنا الظلم الذي تضيع فيه الحقوق.

ولعل من اشتقاقها هنا عبارة يستحق أو لا يستحق.
أى من حقه كذا، أو ليس من حقه. وبنفس المعنى وبخ اللص اليمين عل الصليب زميله اللص الآخر قائلا: (أما نحن فبعدل جوزينا، لأننا ننال استحقاق ما فعلنا) (لو 23: 41).

ومن هنا أيضا تأتى عبارة (يتناول باستحقاق من الأسرار المقدسة) أو يتناول بغير استحقاق (1كو 11: 27) أى ليس من حقه أن يتناول، فمناولة الأسرار تأخذ حقها من التوبة ونقاوة القلب.

لعله بنفس المعنى قال الإبن الضال لأبيه (لست مستحقا أن أدعى لك إبنا) (لو 15: 21) وقيل أيضا (الفاعل مستحق أجرته) (مت 10: 10) (لو 10: 7).

4- الحق ضد الباطل
معنى آخر للحق، وهو أنه ضد الزيف أو ضد الباطل.
فالذهب الحقيقى غير الذهب الزائف. والزواج الحقيقى (أى الشرعى) عكس الزواج الباطل أى غير الشرعى. وهكذا يقال عن السيد المسيح إنه (النور الحقيقى) (يو 1: 9) وقيل عن يوحنا المعمدان (لم يكن هو النور، بل ليشهد للنور) (يو 1: 8).

قال السيد المسيح عن نفسه (أنا هو نور العالم. من يتبعنى لا يسلك في الظلمة) (يو 8: 12) وقال لنا (أنتم نور العالم) (مت 5: 14) ولكنه هو النور الحقيقى، لأنه نور في ذاته. أما نحن فلسنا كذلك، وإنما بنوره نعاين النور.

نور الشمس نور حقيقى. أما نور القمر فليس كذلك، بل هو مجرد إنعكاس نور الشمس عليه، وبدون نورها يصبح مظلما.

هنا كلمة حق أو حقيقى بمعنى True أو Genuine تدخل في أمور عديدة:

 قد يقول شخص إنه إبن في الإعتراف لكاهن معين، ولا يكون إبنا بالحقيقة لأنه لا يطيعه ولا يستشيره. وقد يقول شخص إنه قد تاب، ولا يكون تائبا بالحقيقة لأنه في كل مرة يترك الخطية، يرجع إليها مرة أخرى. وقد يقول شخص إنه يصلى، وهو ليس مصليا بالحقيقة لأنه يكلم الرب بشفتيه، وقلبه مبتعد عنى بعيدا.

وقد يقول شخص إنه صائم، وليس هو صائم بالحقيقة، إنما هو مجرد إنسان نباتى، يتناول الأطعمة النباتية ويحرص أن تكون شهية. وليس له ضبط نفس أثناء الصوم، ولا ينطبق عليه قواعده الروحية.

هكذا بالنسبة إلى الله، هو الإله الحقيقى وحده (يو 17: 3)

لأن كثيرين دعوا آلهة، كمجرد لقب، ولم يكونوا آلهة بالحقيقة. كما ورد في المزمور (الله قائم في مجمع الله. في وسط الآلهة يقضى) (مز 82: 1) (ألم أقل أنكم آلهة، وبنى العلى تدعون ولكنكم مثل البشر تموتون، وكأحد الرؤساء تسقطون) (مز 82: 6، 7)

قال الرب لموسى (جعلتك إلها لفرعون) خر 7: 1) ولكن بمعنى (سيد) وليس بمعنى خالق، أو كلى القدرة أو موجود في كل مكان. وقيل أيضا أن آلهة الأمم شياطين (أو أصنام) (مز 96: 5) هنا الفرق بين الحق والزيف.
وبنفس الوضع تكلم بولس الرسول عن الأرامل:
فقال (ولا يثقل على الكنيسة، لكى تساعد هى اللواتى هن بالحقيقة أرامل) (1تى 5: 16).
وبنفس الوضع أيضا يمكن التكلم عن المؤمن الحقيقى، وأبناء الله بالحقيقة.
كثيرون لهم إسم أبناء الله، ويصلون قائلين (أبانا الذي في السموات) ولكنهم ليسوا أبناء بالحقيقة، ولا ينطبق عليهم قول القديس يوحنا الرسول (المولود من الله لا يخطئ، والشرير لا يمسه. ولا يستطيع أن يخطئ، لأنه مولود من الله) (1يو 3: 9) (1يو 5: 8 1). ولا ينطبق عليه قول الرسول عن الرب (إن علمتم أنه باتر هو فأعلموا أن كل من يصنع البر مولود منه) (1يو 2: 29)

كذلك من يقول إنه مؤمن، ولا يبرهن على إنه بأعماله. يقول القديس يعقوب عنه (هل تريد أن تعلم أيها الإنسان الباطل أن الإيمان بدون أعمال ميت) (يع 2: 20).

بل أن القديس بولس الرسول يقول عبارة خطيرة هى (جربوا أنفسكم هل أنتم في الإيمان. امتحنوا أنفسكم) (2كو 13: 5) بل ما أصعب تلك العبارة التي قالها الرب لملاك كنيسة ساردس: (إن لك إسما أنك حى، وأنت ميت) (رؤ 3: 1)

كلمة حى هنا ليست إسما حقيقيا يستحقه ذلك الراعى. لأنه ليس حيا بالحقيقة، إنما هو ميت روحيا.

إنما يبدأ الحق بالقيم التي يراعيها الإنسان في حياته.
كل ما يتمشى مع القيم الروحية هو حق. وكل ما يتفق والعقائد اللاهوتية السليمة هو حق وغير ذلك زائف وزائل.

5- ضياع الحق
والحق أيضا ضد الرياء،
ذلك لأن الرياء ضد الحقيقة. لأن فيه زيفا، إذ أن الداخل عكس الظاهر من الخارج. ولهذا السبب وبخ السيد المسيح الكتبة والفريسيين المرائين، لأنهم كانوا مثل القبور المبيضة من الخارج وفى الداخل عظام نتنه (مت 23: 27).
فالمرائى يتظاهر بما ليس فيه. يعطى صورة جميلة عن نفسه، وحقيقته غير ذلك تماما.
النفاق أيضا ضد الحق:
لأنه مديح باطل للغير، أو دفاع عنه. بينما الحقيقة غير ذلك. وما يعتقده وما يوجد في قلبه عكس ما يقوله بلسانه.
ويضيع الحق أيضا تحت ستار المجاملة أو (الحب)، أو تحت ستار الحب الزائف. وقد يدعى أنه صديق لشخص آخر، بينما يجره معه إلى الهاوية، أو يشجعه على الخطأ، ويكون هذا التشجيع ضد الحق، يجعله يستمر فيما هو فيه من خطأ. وقد يدعى أنه يحبه، بينما هو بهذا (الحب) الزائف يضيعه تماما.

كالأم التي تظن أنها تحب إبنها، فتدلله تدليلا يفسده. ولا يكون حبها له حبا حقيقيا له القيم الحقيقية للحب وقد يدعى شاب أنه يحب فتاة، بينما تكون علاقته بها شهوة وليست حبا. وتحت ستار ما يسميه (حبا) يضيع أخلاقها وسمعتها ومستقبلها. ولا يمكن أن يكون ما بينهما حبا بالمعنى الحقيقى للحب مادام قد خلا من القيم.

وفى هذا المجال، نذكر أيضا من يدافعون دفاعا باطلا عن المخطئين، وينسون قول الكتاب: مبرئ المذنب، ومذنب البرئ، كلاهما مكرهة للرب (أم 17: 15).

لماذا؟ لأن كليهما ضد الحق. وقد ينفر البعض من عبارة (مذنب البرئ) إذ يرى فيها ظلما. ولكن ما أكثر ما يوجد مبرئ المذنب، ظانا أن هذا لونا من الإشفاق والرحمة ولكن هذا الإشفاق ضد الحق من جهة. ومن جهة أخرى لأنه ليس إشفاقا حقيقيا. فالمشفق الحقيقى هو الذي يقود المذنب إلى التوبة، ومن شروط التوبة الإعتراف بالذنب، والإقلاع عنه. أما تبرئة المذنب فإنها تشعره بأنه لم يفعل خطأ، فسيتمر فيما هو فيه، ويفقد الندم وإنسحاق القلب. ويكون من برأه قد أضر به..

وقد يبرئ إنسان شخصا مذنبا، ويكون ذلك عن جهل.
ويكون هو أيضا مكرهة للرب، لأنه لم يبحث عن الحقيقة، أو على الأقل فعل ما هو ضد الحقيقة ولو عن جهل وربما فيما يكون مبرئا لشخص مذنب، يكون مذنبا لشخص آخر برئ، يكون قد ظلمه بهذا وأساء إليه. وفى كل الحالات هو بعيد عن الحق، أو ظالم للحقيقة.. ونصيحتى لمثل هؤلاء دافع عن الحق، بدلا من أن تدافع عن شخص.

وقد يكون دفاعك عنه ضد الحق.
ولكى تدافع عن الحق، ينبغى أن تعرف الحق. وكثيرون ليست لهم هذه المعرفة وقد يسيرون في جو من الشائعات. وقد يتلقون المعلومات عن أشخاص هم أيضا ليست لهم المعرفة الحقيقية.

وما أكثر ما نجد أشخاصا يقول الواحد منهم (أنا أدافع عن الحق، بينما يكون ما يدافع عنه بعيدا عن الحق تماما..

أو قد يوجد إنسان يدافع عن الحق، أو عما يظنه حقا، بأسلوب بعيد عن الحق تماما.

أو يتجاوز حقه في الكلام، أو يقول كلاما ليس من حقه أن يقوله، أو يلجأ إلى طرق التشهير والإدانة والإيذاء وجرح شعور الآخرين، أو نشر المعلومات خاطئة. ويكون بذلك قد أساء إلى غيره إساءة كبيرة، ووقع في أخطاء عديدة يدينه الله عليها.

ويبدو أنه يدافع عن (الحق) بطريقة غير قانونية!

 ويمكن أن يسأله البعض (وهل من حقك أن تفعل هكذا؟!) ويكون الحق قد ضاع في دفاعه عن (الحق) أو عما يظنه أنه حقا.

إّذا أردتم أن تتمسكوا بالحق، ابعدوا عن الشائعات، ولا تصدقوا كل خبر يصل إليكم وتذكروا أن الذي ضد الحق، هو ضد الله نفسه. فلماذا؟
لأن الله هو الحق. هو الحق المطلق.

6- الحق هو الله
قال السيد المسيح له المجد (تعرفون الحق، والحق يحرركم) (يو 8: 32) وقال أيضا (أنا هو الطريق والحق والحياة) (يو 14: 6).
فالذى يبعد عن الحق، إنما يبعد عن الله. وهنا الخطورة.
والإنسان الحقانى هو إنسان عادل.
وإنسان له قيم في الحياة يسير بموجبها. والإنسان الحقانى فيه روح الله، لأنه روح الحق (يو 14: 17) (يو 15: 26).

إذن البعيد عن الحق، بعيد عن روح الله. الذي ينفصل عن الحق، ينفصل عن الله.

كذلك الإنسان الحقانى لا يكيل بكيلين: لمحبيه بكيل، ولغيرهم بكيل آخر.

ويكون في ذلك قد إنفصل أيضا عن الحق.

لما انفصل الشيطان عن عشرة الله، قال عنه الرب (إنه كذاب وأب لكل كذاب) (يو 8: 44) وقال عنه (ذاك كان قتالا للناس منذ البدء، ولم يثبت في الحق، وليس فيه الحق) (يو 8: 44).

انظروا أية عقوبة عوقب بها حنانيا وسفيرا لأنهما لم يقولا الحق.

وقال القديس بطرس لحنانيا (أنت لم تكذب على الناس، بل على الله) (أع 5: 4)  

فيديو روعه عن مساعده الاخرين


لماذا لم يخلص الله الشيطان كما خلص الجنس البشرى ؟

لماذا لم يخلص الله الشيطان كما خلص الجنس البشرى ؟


يتسائل البعض ان كان الله محب الخليقة فلماذا لم يفدي الشيطان مثلما فعل مع الانسان , و سوف نلخص الرد بنعمة الرب في النقاط الاتية :

1 – اصل الشياطين و قدراتهم .

2 – طبيعة الشياطين الغير قابلة للموت .
3 – هل للشيطان توبة كما لآدم ؟ 
4 – اقوال الاباء و معلمين الكنيسة عن عدم خلاص الشيطان .


1 – اصل الشياطين و قدراتهم : 

اصل الشياطين هو الملاك لوسيفر من رتبة الكاروبيم كما جاء عنه في الكتاب : (أَنْتَ الْكَرُوبُ الْمُنْبَسِطُ الْمُظَلِّلُ. وَأَقَمْتُكَ. عَلَى جَبَلِ اللَّهِ الْمُقَدَّسِ كُنْتَ. بَيْنَ حِجَارَةِ النَّارِ تَمَشَّيْتَ. ) ( حز 28 : 14 ) . و قد قيل عنه انه (خَاتِمُ الْكَمَالِ, مَلآنٌ حِكْمَةً وَكَامِلُ الْجَمَالِ ) ( حز 28 : 12 ) , و قد كان كامل الجمال و كأنه بكل حجر كريم يوم خلقه الرب ( كُلُّ حَجَرٍ كَرِيمٍ سِتَارَتُكَ, عَقِيقٌ أَحْمَرُ وَيَاقُوتٌ أَصْفَرُ وَعَقِيقٌ أَبْيَضُ وَزَبَرْجَدٌ وَجَزْعٌ وَيَشْبٌ وَيَاقُوتٌ أَزْرَقُ وَبَهْرَمَانُ وَزُمُرُّدٌ وَذَهَبٌ. أَنْشَأُوا فِيكَ صَنْعَةَ صِيغَةِ الفُصُوصِ وَتَرْصِيعِهَا يَوْمَ خُلِقْتَ. ) ( حز 28 : 13 ) , كما كان كاملاً في كل طرقه و اعماله منذ خلقه الرب الي ان اخطأ و سقط ( أَنْتَ كَامِلٌ فِي طُرُقِكَ مِنْ يَوْمَ خُلِقْتَ حَتَّى وُجِدَ فِيكَ إِثْمٌ. ) ( حز 28 : 15 ) , و قيل عنه ايضاً انهُ (زُهَرَةُ بِنْتَ الصُّبْحِ؟) ( اش 14 : 12 ) لوصف جمال بهائه المضئ كالنجم .
و لان الشيطان كان رئيس ملائكة من طغمة (1) الكاروبيم . فهو يمتلك جميع قدرات الملائكة و هي قدرات عظيمة جداّ حيث انهم كائنات روحانية لا جسمية علي مثال الرياح و النار كما يقول داود النبي : ( الصانع ملائكته رياحاً و خدامه لهيب نار ) ( مز 104 : 4 ) و في موضع اخر يصف قوتهم قائلاً (مَلاَئِكَتَهُ الْمُقْتَدِرِينَ قُوَّةً ) و عن خفة حركتهم و اتقادهم و سعتهم في تلبية الامر الالهي يقول الكتاب : (الْفَاعِلِينَ أَمْرَهُ عِنْدَ سَمَاعِ صَوْتِ كَلاَمِهِ. ) (مز 103) فبمجرد سماع الامر الالهي يفعلونه الملائكة بهذه السرعة الفائقة .
و من الواضح تماماً ان قدراتهم اعلي من قدرات الانسان الجسدية بشكل لا يقارن و هذا ما دعي داود النبي ليقول : (من هو الإنسان حتى تذكره، وابن الإنسان حتى تفتقده، أنقصته قليلا عن الملائكة ) ( مز 8 : 4 )


2 – طبيعة الشياطين الغير قابلة للموت :


الشياطين خلقوا بنسمة من الله كما خُلقَ الانسان بنسمة من الله لانهم كائنات عاقلة و هذا ما قاله الكتاب : (بكلمة الرب صنعت السماوات وبنسمة فيه كل جنودها ) ( مز 33 : 6 ) و لهذا فالانسان و الملائكة كائنات خالدة لانهم خلقوا بنسمة الله التي اعطتهم العقل و الحياة و الارادة .

و في ذلك يقول المطران ايرثيئوس : (3)[ الخلود يرتبط بما هو خالد بالنعمة , أي ما له بداية و ليس له نهاية لأن الله منحه هذه النعمة و الإمكانية . ... عندما خلق الله النفس اراد لها ان تكون بلا نهاية . و هكذا , علي حين ان الله خالد بالطبيعة فإن النفس علي الرغم من انها مخلوقة إلا انها خالدة بالنعمة ]
و هكذا فإن طبيعة النفس في الملائكة و الشياطين و البشر غير قابلة للفناء و هذا ما يجعلها خالدة اما في الراحة الابدية او العذاب الابدي .

3 – هل للشيطان توبة كما لآدم :


ان العقاب حتي يكون عادلاً يجب ان يتناسب مع امكانيات و قدرات و ظروف المخطئ . حتي ان الانسان يصل الي مثل هذا النوع من العدل . فعقاب الدفاع عن النفس يختلف عن عقوبة القتل الخطأ يختلف عن عقوبة مع سبق الاصرار و الترصد . 

و علي ذلك فقد أُعطي ادم فرصة للتوبة كما ان الشيطان أُعطي فرصة للتوبة و لكن فرصة توبة ادم امتدت له و لذريته من بعده لانه لديه القدرة علي التناسل . اما الشيطان فهو بطبيعة روحانية لا يزوج و لا يتزوج ( مت 22 : 30 ) و عليه ففرصة توبته تقع في شخصه هو فقط و في خلال سقوطه و لا تمتد عبر الزمن .

كما ان البشر تم إغوائهم من الشيطان و بهذا دخلت إليهم الطبيعة الفاسدة و ساد عليهم الموت , كما يقول القديس اثناسيوس (3) : [ وبسبب أن الكلمة سكن فيهم، فإن فسادهم الطبيعى لم يَمَسَّهم كما يقول سفر الحكمة " الله خلق الإنسان لعدم الفساد وجعله على صورة أزليته لكن بحسد إبليس دخل الموت إلى العالم"[1]. وبعدما حدث هذا بدأ البشر يموتون هذا من جهة، ومن جهة أخرى فَمِن ذلك الوقت فصاعدًا بدأ الفساد يَسود عليهم، بل صار له سيادة على كل البشر أقوى من سيادته الطبيعية، وذلك لأنه حدث نتيجة عصيان الوصية التى حذرهم أن لا يخالفوها. 

فالبشر لم تتحول طبيعتهم الي طبيعة فاسدة و لكن ساد عليهم الموت و الفساد .. و هذا بخلاف الشيطان فإنه لانه هو الذي فكر في ذاته و وجد في قلبه الشر من داخله و ليس من غواية شخص اخر بل ضلاله وحده كما يقول الكتاب : ( أَنْتَ كَامِلٌ فِي طُرُقِكَ مِنْ يَوْمَ خُلِقْتَ حَتَّى وُجِدَ فِيكَ إِثْمٌ. 16بِكَثْرَةِ تِجَارَتِكَ مَلأُوا جَوْفَكَ ظُلْماً فَأَخْطَأْتَ. فَأَطْرَحُكَ مِنْ جَبَلِ اللَّهِ وَأُبِيدُكَ أَيُّهَا الْكَرُوبُ الْمُظَلِّلُ مِنْ بَيْنِ حِجَارَةِ النَّارِ. 17قَدِ ارْتَفَعَ قَلْبُكَ لِبَهْجَتِكَأَفْسَدْتَ حِكْمَتَكَلأَجْلِ بَهَائِكَ. سَأَطْرَحُكَ إِلَى الأَرْضِ وَأَجْعَلُكَ أَمَامَ الْمُلُوكِ لِيَنْظُرُوا إِلَيْكَ. ) ( حز 28 : 15 – 17 )
فقد اوضح الوحي المقدس انه وجد فيه اثم من جوفه لانه ارتفع قلبه . و هذا ما جعله فاسداً كلية وليس فيه اي صلاح و عدو كل بر كما يُقال ايضاً عن كل ابنائه المُضلين (أَيُّهَا الْمُمْتَلِئُ كُلَّ غِشٍّ وَكُلَّ خُبْثٍ! يَا ابْنَ إِبْلِيسَ! يَاعَدُوَّ كُلِّ بِرّ! أَلاَ تَزَالُ تُفْسِدُ سُبُلَ اللهِ الْمُسْتَقِيمَةَ؟ ) ( اع 13 : 10 )و لانه قد صار فاسداً تماماً و ليس فيه اي صلاح فقد صار وملاك الهاوية ( رؤ 9: 11 ) و ورئيس الشياطين ( مت 9: 34 ) ورئيس سلطان الهواء، الروح الذي يعمل الآن في أبناء المعصية ( اف 2: 2 ) وإبليس والقتال، وكذاب أبو الكذاب ( يو 8: 44 )، والمشتكى على الأخوة ( رؤ 12: 10 )، وخصمنا الأسد الزائر ( 1 بط 5: 8 )، والتنين أي الحية القديمة ( رؤ 12: 9 ). وهو كبير الأرواح الساقطة ( رؤ 12: 9 ومت 4 : 8 – 11 ) 
و بهذا فهو لم يقدم توبة او ندم علي اي فعل شرير قد فعله حتي يقبله منه الله و لذلك دُعيَّ بالمعاند (4) لانه دائماً يقاوم مشيئة الله راغباً في سايدة ارادته علي البشر بل ان تقدم له العبادة ايضاً .

اما البشر فهم ليسوا كذلك لانهم لم يتحولوا الي الفساد و لكنهم ساد عليهم الفساد اي اصبح لديهم الميل و الرغبة تجاه و في ذات الوقت لديهم الميل و الرغبة تجاه الرب ايضاً . و لذلك فإن ادم عندما سقط قدم توبة هو و بنيه معه و من بعده و قد ظهرت من خلال الذبائح التي كانوا يقدمونها للتكفير عن خطاياهم .. 

و لهذا تنازل الله لكي يخلصهم من سيادة الفساد و حكم الموت و هذا كان رجاء جميع الذين رقدا من ادم الي مجئ المسيح (فِي الإِيمَانِ مَاتَ هؤُلاَءِ أَجْمَعُونَ، وَهُمْ لَمْ يَنَالُوا الْمَوَاعِيدَ، بَلْ مِنْ بَعِيدٍ نَظَرُوهَا وَصَدَّقُوهَا وَحَيُّوهَا، وَأَقَرُّوا بِأَنَّهُمْ غُرَبَاءُ وَنُزَلاَءُ عَلَى الأَرْضِ.
14 فَإِنَّ الَّذِينَ يَقُولُونَ مِثْلَ هذَا يُظْهِرُونَ أَنَّهُمْ يَطْلُبُونَ وَطَنًا.

15 فَلَوْ ذَكَرُوا ذلِكَ الَّذِي خَرَجُوا مِنْهُ، لَكَانَ لَهُمْ فُرْصَةٌ لِلرُّجُوعِ.
16 وَلكِنِ الآنَ يَبْتَغُونَ وَطَنًا أَفْضَلَ، أَيْ سَمَاوِيًّا. لِذلِكَ لاَ يَسْتَحِي بِهِمِ اللهُ أَنْ يُدْعَى إِلهَهُمْ، لأَنَّهُ أَعَدَّ لَهُمْ مَدِينَةً. 
) ( عب 11 : 13 – 16 )



الخلاصة :

1 - العدل يحتم ان توبته تتناسب مع قدراته التي اعطيت له .
2 - انه اخطأ من طبيعته و ليس بغواية اخر و لذلك فسدت طبيعته تماماً و ليس كالبشر الذين ساد عليهم الفساد و الموت فقط .
3 - فرصة توبة الشيطان هي حتي سقوطه لانه لا يتناسل كالبشر الذين تمتد التوبة لهم و لذريتهم ايضاً
4 - انه المقاوم لكل عمل الله و ان كانت ارادة الله ان يتوب فهو يقاوم هذه الارادة و لا يسمح بحدوثها . بعكس البشر الذين كانوا يتلهفون لنوال خلاصهم من سطوة الموت و الفساد.


4 – اقوال الاباء و معلمين الكنيسة عن عدم خلاص الشيطان .


يقول القديس كيرلس الاورشليمي : (5)

[[لم يخطئ (الشيطان) عن إلزام كأن فيه نزوعًا طبيعيًا للخطيئة، وإلا ارتدت علة الخطيئة إلى خالقه أيضًا. إنما هو مخلوق صالح وبإرادته الحرة صار إبليسًا، فتقبَّل الاسم من خلال عمله. كان رئيس ملائكة، لكنه دعي "إبليسًا" بسبب أضاليله. كان خادمًا لله صالحًا، فصار شيطانًا بحق. لأن "الشيطان" يعني "الخصم". هذا التعليم ليس من عندياتي إنما هو تعليم حزقيال النبي الموحى به، إذ رفع مرثاة عليه قائلًا: "كنت خاتم صورة الله، تاج البهاء، ولدت في الفردوس"، ثم يعود فيقول: "سلكت كاملًا في طرقك من يوم خلقت حتى وجد فيك إثم". بحق قال: "حتى وجد فيك إثم"، إذ لم يأته الإثم من الخارج بل هو جلبه على نفسه. وللحال أشار إلى السبب، قائلًا: "قد ارتفع قلبك لبهائك. بسبب كثرة خطاياك طعنت فطرحت إلى الأرض". هذا القول يتفق مع قول الرب في الإنجيل: "رأيت الشيطان ساقطًا مثل البرق من السماء" (لو 10: 18)[258]]. ]

يقول الاب تادرس يعقوب مالطي : (6)

إذ يرفع مرثاة على الشيطان يعلن عن عطايا الله له والإمكانيات التي وهبت له يوم خلقته، فبقدر ما وهب له الكثير يطالب بالكثير، وبقدر ما تمتع بعلو شاهق صار سقوطه عظيمًا . ]


يقول البابا شنودة الثالث : (7)

ا[الشيطان لم يغوه أحد، إنما سقط بحرية أرادته، التي اتجهت إلى كبرياء القلب
(أش 14: 13، 14)
ولا يشترط في كل خطية، أن تكون بإغواء من الخارج. فقد لا يكون هناك إغراء من الخارج،
ويسقط الشخص بسبب فساد القلب من الداخل، أو اتجاه حرية الإرادة إلى الفساد.
والشيطان سقط، بسبب أنه في قلبه، أراد أن يرتفع ويصير مثل الله
[(أش14: 13، 14).

يقول القديس يوحنا الدمشقي : (8)

[ انه غير قابل للتوبة . لان لا جسم له . اما الانسان فلسبب ضعف جسده يحظي بالتوبة . ]
و يكمل قائلاً : (9)
و يجب ان تعلم ان السقطة للملائكة هي علي ما هو الموت للبشر . لان بعد سقطتهم ليس لهم توبة و كذلك بعد الموت للبشر . ]

يقول القديس كيرلس السكندري : (10)

[ إن الله بكل تأكيد هو الذى خلق الملائكة ورؤساء الملائكة، والعروش، والسلاطين والقوات والرؤساء ومعهم أيضًا السيرافيم، خلقهم من العدم. ومن هؤلاء الذين وُجدوا كان هناك التنين نفسه المتمرد (والقوات الشريرة التى كانت معه)، وعنه قال " وأقمتك مع الشاروبيم" (حز 14:28س). ... لكن الشيطان ومعه آخرين سقط من ذلك الموضع وفقد مجده بالتالى. وبسبب أنه تصادم مع الله بإرادته لذلك فقد سلطته. فهل كان يجب أن يتردد خالق الجميع فى خلق الملائكة القديسين وهكذا يتجنب خلق المخلوقات النورانية والجديرة بالإعجاب؟ ألاّ يكون من الظلم لو أن الله لم يخلق طغمات الملائكة، والتى لا تزال تخدمه حتى الآن، والتى تظل مؤمنة بالله الذى خلقها، ولا تقبل أن تصل إلى درجة تجعلها تنسى سلطته؟ إخبرنى إذن، ما الذى يجعلك تحزن كثيرًا جدًا لو أن هناك أشخاصًا لم ينجحوا فى أن يعيشوا حياة صالحة بسبب كبريائهم، وكان الأفضل لهؤلاء لو ظلوا بالقرب من الله ونالوا غنى صلاحه، ومجدوه بتمجيدات لا تنتهى. هؤلاء قال عنهم داود الطوباوى " طوبى للساكنين فى بيتك أبدًا يسبحونك" (مز4:84). 

و يقول الابغومانوس ميخائيل مينا (11) ان الشيطان لم يخلص بسبب :
1 - كون الانسان اخطأ عن ضعف طبعه فكان اهلاً للرحمة بخلاف الملاك فإنه غير ضعيف لانه روح شديد قوي .
2 - كون الانسان اخطأ عن خدااع الشيطان اما الملاك فلم يخدعه احد بل اخطأ عن معرفه كاملة .
3 - كون جنس البشر كلهم سقط بسقوط ادم , و لما كان اولاد ادم غير عارفين بمعصية ابيهم كانوا جديرين بأن يرحموا , بخلاف جنس الملائكة فإنه لم يسقط منهم إلا الذين اخطأوا .
4 - كانت لهم فرصة و لو قصيرة في التوبة و تلك الفرصة كانت الي حين هبوطهم من السماء فكان يمكنهم ان يتوبوا فيها لو شاءوا و لكنهم لم يشاؤا فهبطوا كلهم و هلكوا هلاكاً ابدياً و انقطع رجاؤهم في الرجوع و التوبة .



و يقول الدكتور موريس تاوضروس : (12
 )
و بلا شك ان الشيطان لم يسع للتوبة و لم يطلبها بل اظهر كل عناد و اصرار في عصيانه . و كما يُلاحظ القديس باسيليوس الكبير ان الشيطان كان له مكان للتوبة قبل خلقة الانسان ...

و يكمل قائلاً :(13
 )
فإن جريمة الشيطان الجديدة التي ارتكبها ضد الانسان قد اثقلت دينونته التي نتجت عن عصيانه و تمرده و جعلتها بلا مبرر و ثقيلة حتي لم يعد هناك مجال للتوبة بسبب ما ارتكبه من تصلب و تيبس و إمعان في الخطية .

LinkWithin

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...