3) مفهوم الراحة والتعب
1-
أنواع من الراحة
2-
راحة الجسد
3-
التعب بين النفس والروح
4-
التعب الداخلي
5-
راحة الضمير
6- في
الخدمة
1- أنواع من
الراحة
موضوع الراحة ورد في
أول الكتاب المقدس، في قصة الخليقة، حيث قيل (وبارك الله اليوم السابع وقدسه، لأنه
فيه استراح من جميع عمله الذي عمل الله خالقا) (تك 2: 12)
إنها الراحة الخاصة
بإتمام العمل أو إكمال العمل.
إن كل شخص يكمل عمله،
يشعر براحة..
والرب الإله استراح في
اليوم السابع من عمله خالقا.
واستراح في يوم الأحد
يوم القيامة، لإتمامه عمله في الخلاص، وفى تخليص الناس من الخطية والموت.
وتوجد راحة أخرى
ينتظرها العالم، وهى الراحة الأبدية.
هذه التي سوف لا يكون
بعدها تعب ولا مرض ولا شقاء إلى الأبد.. وكل الأسباب التي كانت تدعو إلى التعب تزول
أيضا.
وهناك راحة أخرى
تسبقها، وهى راحة الإنسان بعد الموت.
حيث يستريح الإنسان من
تعب هذا العالم. ويستريح من شغب الجسد وثقله. ومن الجو الشرير الموجود في البيئة
والمجتمع. وكما يقول الكتاب.. (لكى يستريحوا من أتعابهم، وأعمالهم تتبعهم) (رؤ 14:
13) لذلك عندما يموت إنسان، نقول إنه تنيح، أى استراح.
هناك أنواع أخرى من
الراحة، أثناء حياتنا على الأرض.
فالتعب بلا شك له
أنواع، والراحة لها أنواع:
فالتعب بلا شك له
أنواع، والراحة لها أنواع:
فهناك راحة للجسد،
وراحة للفكر، وراحة للنفس، وراحة للقلب وللشعور. وأيضا هناك راحة الضمير. وتوجد
راحة نفسية، وراحة روحية. ونود أن نتكلم عن كل هذه بالتفصيل. ولنبدأ براحة الجسد.
2- راحة
الجسد
إن الله نفسه أراد
للجسد أن يستريح.
هو الذي خلق الجسد،
ويعرف أن طبيعته تحتاج إلى راحة. لذلك منحه اليوم السابع من الأسبوع لكى يستريح
فيه. عملا من الأعمال لا يعمل فيه. وقال عن راحة السبت (السبت إنما جعل لأجل
الإنسان، وليس الإنسان لأجل السبت)
(مر 2: 27) وكذلك مواسم
الرب وأعياده، قال عنها (عملا ما تعملوا) (لا 23: 3، 7).. إذن لابد أن نعطى الجسد
ما يحتاج إليه من راحة.
راحة الجسد ليست خطية،
إنما هى وصية إلهية.
بحيث يتصرف الإنسان
بعقل. لا يرهق الجسد بحيث يتعب فوق الطاقة. ولا يريحه أزيد مما يحتاج بحيث يصل إلى
الكسل أو الخمول.
أتذكر أن أحد أساتذة
الطب في لندن قال لى (أنا لا أستطيع أن أمنعك عن الHard
Work
فطبيعة مسئوليتك تستدعى ذلك. ولكنى أمنعك عن الOver
Work
ويقصد بهذا أن العمل الذي يعمله الإنسان بعد أن يصل إلى الإرهاق فيجب حينئذ أن يقف
ولا يستمر. وإن استمر بعد الإرهاق أو الإعياء، يكون هذا Over
Work.
كما قال لى أيضا البروفسور: إن العمل الذي تعمله بفرح ورضى، لا يؤذى قلبك. أما
العمل الذي تعمله وأنت متضايق ومتبرم، فهو الذي يتعب صحتك. فالعمل بلذة لا
يرهق..
إذن هناك علاقة بين
راحة النفس وراحة الجسد.
لو كانت النفس مستريحة،
تستطيع أن تحمل الجسد. ولو تعبت النفس، لا يحتمل الجسد أقل مجهود. وفى راحة الجسد،
يقول بعض العلماء، لا تترك الجسد يعمل مدة طويلة بلا راحة، إنما وسط العمل الطويل
أعطه فترات راحة ولو دقائق. وهذه
يسمونها بالإنجليزية Break
أى تكسر حدة العمل الطويل، بشئ من الراحة.
الجسد أيضا يتعبه
المرض، ويجعله في حالة عدم احتمال.
وكثيرا ما يكون المريض
في حاجة إلى راحة كاملة. يتعبه الكلام إذا هو تحدث ويتعبه الإصغاء إلى كلام كثير.
ويتعبه الصوت، والحركة. ويتعبه التفكير، والإلحاح من غيره.. لذلك فإن غالبية
المستشفيات تمنع زيارة المرضى إلا في مواعيد محدودة. فلا تظنوا أنكم تريحون المريض
بزيارته أو كثرة الحديث معه!!
وراحة الجسد غير الكسل.
الكسل معناه أن الإنسان
لديه قدرة على العمل، ولا يرغب في ذلك. والكسل له نتائج كثيرة سيئة، سواء في عدم
قيام الشخص بمسئولياته. أو من الناحية الصحية قد يصل إلى الوخم أو البلادة. ويفقد
الجسد نشاطه الطبيعى الذي يلزمه. كما يؤدى به هذا إلى السمنة والترهل.
والمعروف أن الجو الحار
المشبع بالرطوبة يساعد على الكسل، بينما الجو البارد يساعد على النشاط والحركة.
والحركة تولد فيه حرارة.
ولذلك فإن الذين يحالون
إلى المعاش، ويقضون بقية حياتهم في المقهى أو البيت أو النادى، يصيبهم الخمول.
بينما الذين يستمرون في العمل والنشاط، تقوى صحتهم..
وبالمثل السيدات اللائى
يعملن ويتحركن، غير اللائى يجلسن في البيت بلا عمل ويترهلن.
ونحن لا نقصد براحة
الجسد، راحة مطلقة.
فالجسد قد يكون في عمق
النوم، ومع ذلك يكون قلبه يعمل في انتظام، كذلك جهازه التفسى، وكذلك المخ، وباقى
أجهزة الجسد المتعددة. كلها تعمل أثناء نومه، وأثناء راحته. وتعمل بكل ٍانتظام،
ولكن في هدوء، وبغير إرهاق. فتعب القلب هو في إرهاقه، وليس في توقفه عن العمل وكذلك
المخ.
لذلك ليست الراحة
معناها عدم العمل إطلاقا. ربما معناها أحيانا تغيير نوع العمل. وكما يسمون الراحة
بالفرنسية Recreation
(أى خلق آخر) فينتقل العقل من صنع فكر إلى صنع آخر.
لأنه مما يرهق العقل
التركيز على فكر واحد.
فإن تعب الإنسان من هذا
التركيز، ينتقل إلى فكر آخر. والعقل دائم التفكير. ولكنه قد يتعب من التفكير العميق
إذا استمر في موضوع واحد مدة طويلة. فيحتاج أن يترك هذا الموضوع إلى حين ثم يعود
إليه بعد أن يجدد نشاطه.
وأحيانا ترتبط الراحة
مع التعب (بتعقل).
فالإنسان ليستكمل صحته،
قد يحتاج إلى تداريب رياضية، يحرك فيها جسده. والعض قد يلجأ إلى المشى أو الجرى.
وقد يتعب ويحتمل التعب لفائدته الصحية. ونقول التعب وليس الإرهاق. وهذا ما يحدث
أيضا في تمرينات العلاج الطبيعى.
3- التعب بين النفس
والروح
هناك مريض إن قيل له إن
حالته خطيرة، قد تتعب نفسه، ولكنه يستعد لأبديته فتستريح روحه. بينما لو خدعوه
وصورا له الأمر بسيطا لراحة نفسه وشغلوه بمسليات عالمية، لا يهتم بروحه وأبديته،
ويهلك!
مثال آخر هو مجاملة
إنسان خاطئ بأنه على حق في تصرفه، تريح بهذا نفسه وتهلك روحه، فلا يلوم نفسه ولا
يتوب. وبنفس الوضع النفاق في معاملة الرؤساء وأيضا تدليل الأطفال. وهنا نضع قاعدة
روحية هامة:
إن لم تستطع تبكيت
الخطية، فلا تبررها..
فإنك بتبريرك تصرفات
المخطئين، تشترك معهم في المسئولية.
إيزابل ساعدت آخاب في
ظلم نابوت اليزرعيلى وأخذ حقله. فأراحت زوجها نفسيا، ولكنها اتعبته روحيا، واشتركت
معه في العقوبة (1مل 21).
إن من يكذب ليخرج من
مأزق، يريح نفسه ويتعب روحه.
وبالمثل من يلجأ إلى
خدعة توصله إلى غرضه..
كذلك من لا يحاسب نفسه
ويلومها على خطاياها بل ويعاقبها أيضا، هذا يريح نفسه، ولكنه يهلك روحه.. وأسوأ من
هذا الذي يحاول أن يبرر نفسه ليستريح.. إنها راحة زائفة
خاطئة!!
ومن الأخطاء في الراحة
أيضا: أن شخصا يبنى راحته على تعب الآخرين.
وتكون، هذه الراحة لونا
من الأنانية ومحبة الذات، وعدم محبة الآخرين. إنه يريح نفسه، ويتعب روحه
بالأخطاء.
4- التعب
الداخلي
هناك أشخاص لا يوجد سبب
خارجى يتعبهم،
وإنما تعبهم من الداخل.
مما في قلوبهم من
الاضطراب،
والقلق،
والشك،
والخوف،
والتشاؤم.
فكل شئ من الخارج
يتعبهم بدون سبب..
هؤلاء يتعبون أنفسهم،
دون أن يتعبهم
أحد.
5- راحة
الضمير
قد يقبل الإنسان تعب
جسده من أجل راحة ضميره، أو راحة روحه.
كالشهداء مثلا
والمعترفين، الذين تحملوا عذابات كثيرة احتملها الجسد، من أجل راحة ضمائرهم بالثبات
في الإيمان.
مثال آخر ما احتمله
القديس يوحنا المعمدان من سجن. وأخيرا قطع رأسه، لكى يشهد للحق، ويقول للملك المخطئ
(لا يحل لك أن تأخذ امرأة أخيك) مر 6: 18) ومثال آخر ما احتمله القديس أثناسيوس
الرسولى من نفى وتشريد ومن أجل الدفاع عن الإيمان ضد الأريوسيين. كذلك ما أحتمله
يوسف الصديق من سجن في سبيل راحة ضميره العفيف، وقوله (كيف أفعل هذا الشر العظيم،
واخطئ إلى الله) (تك 38: 9).
كذلك ما يحمله الرعاة
من تعب في الجسد.
لكى يريحوا الشعب من
جهة، ولكى تستريح ضمائرهم من جهة أدائهم لواجبهم الرعوى.
وينطبق على هذا أيضا كل
من يسلك في أسلوب البذل والعطاء والأمانة في العمل.. يتعب جسديا، لكى يستريح ضميره،
وتستريح روحه في أداء الواجب. إنه لا يبحث عن راحته الشخصية، إنما عن راحة
غيره.
أيضا طالب العلم الذي
يتعب، فيريح ضميره من جهة مستقبله. ويكون مبتهجا بتعبه، لأنه أراح نفسه. وبنفس
الوضع كل الذين يجاهدون، في تعب وكد، من أجل هدف كبير يسعون إليه. وكما قال الشاعر:
إذا كانت النفوس كبارا
تعبت في مرادها الأجساد
حتى في الجهاد الروحى
أيضا:
لابد أن يتعب الإنسان،
ويجاهد الجهاد الحسن، ليريح ضميره الروحى، ولكى تستريح روحه في الله – وقد قال
الرسول موبخا (لم تقاوموا بعد حتى الدم، مجاهدين ضد الخطية) (عب 12:
4).
وهناك من يتعب جسده،
وفى نفس الوقت يتعب روحه.
فلا هو أدرك سماء، ولا
أرضا. كالذى يتعب أعصابه بالغضب، ويتعب صحته بالتدخين وبالخطايا الشبابية..
وبينما الإنسان الروحى
يتعب من أجل البر، يتعب الخاطئ تعبا باطلا.. ومن هذا التعب الباطل، تعب الشياطين في
إغراء البشر.
6- في
الخدمة
الخادم يتعب، فيريح
ضميره، ويريح غيره.
وكما قال الرسول (كل
واحد سينال أجرته بحسب تعبه) (1كو 3: 8).
وهكذا تعب القديس بولس
في الخدمة،
لبناء الملكوت وخلاص
أرواح الناس..
والخادم الذي لا يتعب
جسديا لأجل الخدمة،
لن يستريح روحيا،
ولا تستريح
الخدمة.